أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ مِثْلَ مَا قُلْت
(قَالَ) وَابْتِدَاءُ وَقْتِ الرَّمْيِ عِنْدَنَا مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَعَلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ الرَّمْيُ بَعْدَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَاسْتَدَلَّ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ، وَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَهُمْ وَيَقُولُ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ».
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ قَالَ أَيْ بَنِيَّ لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إلَّا مُصْبِحِينَ» فَنَعْمَلُ بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا فَنَقُولُ بَعْدَ الصُّبْحِ يَجُوزُ، وَتَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْلَى، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلًا»، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الرَّمْيِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ إذْ لَا يَجْتَمِعُ الرَّمْيُ وَالْوُقُوفُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَوَقْتُ الْوُقُوفِ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَوَقْتُ الرَّمْيِ يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ وَقْتُ الرَّمْيِ هُوَ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ وَقْتُ الرَّمْيِ.
(قَالَ) وَلَا يَرْمِي يَوْمَئِذٍ مِنْ الْجِمَارِ غَيْرَهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْمِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
(قَالَ) وَلَا يَقُومُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَعْمَالٌ يَحْتَاجُ إلَى أَدَائِهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُمْ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَلَكِنَّهُ يَأْتِي مَنْزِلَهُ فَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ، وَالتَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ أَوْ بِالتَّقْصِيرِ كَمَا أَشَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَقَضَاءُ التَّفَثِ بِالْحَلْقِ يَكُونُ.
وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَبَحَ هَدَايَاهُ دَعَا بِالْحَلَّاقِ فَأَهْوَى إلَيْهِ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِهِ فَحَلَقَهُ، وَقَسَّمَ شَعْرَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ حَلَقَ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ وَأَعْطَى شَعْرَهُ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -»، وَلَمْ يَذْكُرْ الذَّبْحَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَيْضًا لَا تَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ، وَلَكِنَّهُ لَوْ تَطَوَّعَ بِذَبْحِ الْهَدْيِ فَهُوَ حَسَنٌ يَذْبَحُهُ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا أَنْ نَرْمِيَ، ثُمَّ نَذْبَحَ، ثُمَّ نَحْلِقَ وَالْحَلْقُ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] وَقَالَ {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْحَلْقِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَقِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ حَتَّى قَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ» فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute