للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي هَذَا الْيَوْمِ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ فَلِلتَّيْسِيرِ جَوَّزَ لَهُ أَدَاءَ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ فَلَا يُعِيدُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَذَلِكَ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ سُنَّةُ أَوَّلِ طَوَافٍ يَأْتِي بِهِ فِي الْحَجِّ فَقَدْ أَتَى بِهِ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ فَلَا يُعِيدُهُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَكِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَقِيبَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ خَتْمَ كُلِّ طَوَافٍ يَكُونُ بِرَكْعَتَيْنِ وَاجِبًا كَانَ الطَّوَافُ أَوْ نَفْلًا، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ إحْلَالُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى فَإِذَا كَانَ الْغَدُ يَوْمَ النَّحْرِ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ يَبْدَأُ بِاَلَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَقَامَ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ النَّاسُ فَيَقُومُ فِيهِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيُهَلِّلُ، وَيُكَبِّرُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ النَّاسُ فَيَصْنَعُ فِي قِيَامِهِ كَمَا صَنَعَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَأْتِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَلَا يُقِيمُ عِنْدَهَا.

هَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُفَسِّرًا فِيمَا نَقَلَ مِنْ نُسُكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ»، وَبِجَمْعٍ عِنْدَ الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُقِيمُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى، وَالْوُسْطَى، وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ الرَّفْعُ لِلدُّعَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَ الْمَقَامَيْنِ، وَيَنْبَغِي لِلْحَاجِّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي دُعَائِهِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ»، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَحَالُ الْفَرَاغُ مِنْهُ حَالُ وَسَطِ الْعِبَادَةِ فَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَكُلُّ رَمْيٍ لَيْسَ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَبِالْفَرَاغِ مِنْهُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يُقِيمُ بَعْدَهُ لِلدُّعَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكِتَابُ أَنَّ الرَّمْيَ مَاشِيًا أَفْضَلُ أَمْ رَاكِبًا، وَحُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْجَرَّاحِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَمْ مَاشِيًا؟ فَقُلْت: مَاشِيًا فَقَالَ: أَخْطَأْتَ فَقُلْت: رَاكِبًا فَقَالَ: أَخْطَأْتَ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ رَمْيٍ كَانَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ فِيهِ مَاشِيًا أَفْضَلُ، وَمَا لَيْسَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ فَالرَّمْيُ رَاكِبًا أَفْضَلُ، فَقُمْت مِنْ عِنْدَهُ فَمَا انْتَهَيْت إلَى بَابِ الدَّارِ حَتَّى سَمِعْتُ الصُّرَاخَ لِمَوْتِهِ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجِمَارَ كُلَّهَا رَاكِبًا» إنَّمَا فَعَلَهُ لِيَكُونَ أَشْهَرَ لِلنَّاسِ حَتَّى يَقْتَدُوا بِهِ فِيمَا يُشَاهِدُونَ مِنْهُ، أَلَا تَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>