للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَدَاءِ، وَقَدْ انْعَدَمَ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَصِرْ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ يُتِمُّ بَقِيَّةَ طَوَافِهَا وَسَعْيِهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ تَحَقُّقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِعُمْرَتِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَلَكِنَّهُ طَافَ وَسَعَى لِحَجَّتِهِ ثُمَّ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَكَانَ طَوَافُهُ، وَسَعْيُهُ لِلْعُمْرَةِ دُونَ الْحَجِّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْبِدَايَةُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ بِجِهَةٍ فَأَدَاؤُهُ يَقَعُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ.

وَإِنْ نَوَى جِهَةً أُخْرَى كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهَذَا لِاعْتِبَارِ الطَّوَافِ بِالْوُقُوفِ فَإِنَّهُ لَوْ وُجِدَ مِنْهُ الْوُقُوفُ فِي وَقْتِهِ، وَنَوَى شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْوُقُوفِ لِلْحَجِّ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الْحَجِّ، وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي الطَّوَافِ إلَّا أَنَّ فِي الطَّوَافِ أَصْلَ النِّيَّةِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ عَدَا خَلْفَ غَرِيمٍ لَهُ حَوْلَ الْبَيْتِ لَا يَتَأَدَّى بِهِ طَوَافُهُ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنُ عِبَادَةٍ، وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلِهَذَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي رُكْنِهَا وَالطَّوَافُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ وَلِهَذَا يُتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْجِهَةِ لِتَعَيُّنِهِ كَمَا قُلْنَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَأَمَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَوُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ فِي الطَّوَافِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ الثَّانِي يَتَأَتَّى فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ دُونَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ يَعُمُّ الْفَصْلَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَهُ، وَسَعْيَهُ لِلْعُمْرَةِ فَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَطُفْ لِحَجَّتِهِ، وَتَرْكُ طَوَافِ التَّحِيَّةِ لَا يَضُرُّهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْحَجِّ وَسَعَى أَوَّلًا ثُمَّ طَافَ لِلْعُمْرَةِ وَسَعَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ لِلْعُمْرَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَنِيَّتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَغْوٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لَهُمَا ثُمَّ سَعَى سَعْيَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَقْدِيمِهِ طَوَافَ التَّحِيَّةِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَقْدِيمِ النُّسُكِ، وَتَأْخِيرِهِ شَيْءٌ سِوَى الْإِسَاءَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ يُوجِبُ الدَّمَ عَلَيْهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ طَوَافِ التَّحِيَّةِ عَلَى سَعْيِ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ أَصْلًا، وَاشْتِغَالُهُ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ قَبْلَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ اشْتِغَالِهِ بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ، وَلَوْ أَنَّهُ بَيْنَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَسَعْيِهَا اشْتَغَلَ بِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ فَكَذَا إذَا اشْتَغَلَ بِطَوَافِ التَّحِيَّةِ

(قَالَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>