وَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلِلتَّحِيَّةِ كَذَلِكَ ثُمَّ سَعَى يَوْمَ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ مِنْ أَجْلِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَبْنِي الْمَسَائِلَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ مُعْتَدٌّ بِهِ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُعِيدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِ الْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَيْتِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ فَأَقِلُّوا فِيهِ الْكَلَامَ» ثُمَّ الطَّهَارَةُ فِي الصَّلَاةِ شَرْطُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ فِي الطَّوَافِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ بِالنَّصِّ هُوَ الطَّوَافُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّوَرَانِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُحْدِثِ وَالطَّاهِرِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنَّصِّ فَأَمَّا الْوُجُوبُ فَيَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ وَلَا يُوجِبَ عِلْمَ الْيَقِينِ، وَالرُّكْنِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَأَصْلُ الطَّوَافِ رُكْنٌ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَالطَّهَارَةُ فِيهِ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَكُونُ مُوجِبُ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ رُكْنًا، وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَالدَّمُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبَاتِ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ وَاجِبَةٌ، وَكَانَ ابْنُ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّهُ سُنَّةٌ، وَفِي إيجَابِ الدَّمِ عِنْدَ تَرْكِهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي حَقِّ التَّوَّابِ دُونَ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الطَّوَافِ، وَأَنَّ الطَّوَافَ يَتَأَدَّى بِالْمَشْيِ، وَالْمَشْيُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ لَا يَسْتَدْعِي الطَّهَارَةَ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْتِ يَسْتَدْعِي الطَّهَارَةَ كَالصَّلَاةِ، وَمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهِ بِالصَّلَاةِ تَكُونُ الطَّهَارَةُ فِيهِ وَاجِبَةً، وَلِكَوْنِهِ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ يُعْتَدُّ بِهِ إذَا حَصَلَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ. وَالْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِعَادَةُ لِيَحْصُلَ الْجَبْرُ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنَّ نَقَائِصَ الْحَجِّ تُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا يَعْتَدُّ بِهَذَا الطَّوَافِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عَنْ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ أَعْظَمُ مِنْ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ مِنْ قُرَاةِ الْقُرْآنِ، وَالْجُنُبَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ حَيْثُ الطَّوَافُ، وَمِنْ حَيْثُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute