فَلَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِالِافْتِرَاقِ فِي وَقْتٍ تَحِلُّ الْمُوَاقَعَةُ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ نُسُكٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَوَانَ أَدَاءِ مَا هُوَ نُسُكٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ نُسُكًا فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَرُبَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ يَفْتَرِقَانِ لِأَنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ إذَا وَصَلَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تَهِيجَ بِهِمَا الشَّهْوَةُ فَيُوَاقِعَهَا فَيَفْتَرِقَانِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ هَذَا، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَاقَعَهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا فَلَوْ وَجَبَ الِافْتِرَاقُ إنَّمَا يَجِبُ عَنْ النِّكَاحِ، وَأَحَدٌ لَا يَأْمُرُ بِهَذَا ثُمَّ إذَا بَلَغَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَتَأَمَّلَا فِيمَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ ازْدَادَا نَدَمًا وَتَحَرُّزًا عَنْ ذَلِكَ ثَانِيًا لِكَيْ لَا يُصِيبَهُمَا الْآنَ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّا نَقُولُ مُرَادُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ إنْ خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْفِتْنَةَ لَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا كَمَا يُنْدَبُ الشَّابُّ إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ التَّقْبِيلِ فِي حَالَةِ الصِّيَامِ إذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مَا سِوَى ذَلِكَ. (قَالَ) وَإِنْ كَانَا قَارِنَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحْرِمٌ بِإِحْرَامَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَضَاءُ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ الْمُوَاقَعَةِ وَقَدْ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ عَنْهُمَا لِفَسَادِ نُسُكِهِمَا وَإِنْ لَزِمَهُمَا الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَمُ نُسُكٍ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مِنْ جَمْعٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ الْجِمَاعِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ؛ لِأَنَّ بِالطَّوَافِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَحْلِقْ، وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَامَعَ بَعْدَ مَا أَدَّى عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ هُوَ الطَّوَافُ فَلَمْ تَفْسُدْ عُمْرَتُهُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا فَسَدَ حَجُّهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ بِفَسَادِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ. وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ مَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ وَاحِدٌ مِنْ النُّسُكَيْنِ عِنْدَنَا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ جَزُورٌ لِجِمَاعِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ وَشَاةٌ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى النُّسُكَيْنِ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ
(قَالَ): وَاذَا جَامَعَ الْحَاجُّ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَأَهْدَى جَزُورًا ثُمَّ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ إحْرَامَهُ نُقْصَانٌ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ فَالْجِمَاعُ الثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَكْفِيهِ شَاةٌ بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِنَّ هُنَاكَ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا فَكَانَ عَلَيْهِ جَزُورٌ
(قَالَ): وَإِنْ طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بَعْدَ مَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثُمَّ جَامَعَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute