الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْهَدْيِ فِي كُلِّ مَالٍ كَالْتِزَامِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ مَالٍ، وَالْأَصَحُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالَ فِي لَفْظِ الصَّدَقَةِ إنَّمَا حُمِلَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ خَاصَّةً اعْتِبَارًا لِمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي الْمَالِ مُخْتَصٌّ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُنَا إنَّمَا أَوْجَبَ الْهَدْيَ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْهَدْيِ لَا يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا فِيهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ، وَلَكِنَّهُ يُمْسِكُ مِقْدَارَ قُوتِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ، فَإِذَا أَفَادَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ بِهِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: كُلُّ مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَهَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا الْعَطْفُ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَوَّلًا أَنَّ الْمَذْكُورَ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمَا فِي لَفْظِ الصَّدَقَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَغُلَامِي هَذَا هَدْيٌ فَبَاعَهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِهِ كَالْمُنْشَإِ، وَلَوْ أَنْشَأَ النَّذْرَ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْغُلَامُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ حِينَ حَلَفَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالنَّذْرِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ أَوْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فِي الْمَحِلِّ وَقْتَ الْيَمِينِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ أَصْلًا
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَهَذَا الْمَمْلُوكُ هَدْيٌ ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّتْ يَمِينُهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ ثُمَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْكَلَامُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَ النَّذْرَ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى شِرَاءٍ بَعْدَهُ لَا إلَى شِرَاءٍ سَبَقَهُ
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: فَهَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْتِزَامَ الْهَدْيِ صَحَّ نَذْرُهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَكَانِ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ كَانَ أَوْلَى
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُهْدِيَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَزِمَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ مِنْ الْتِزَامِ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمَّا جُعِلَ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عِنْدَهُمَا كَذِكْرِ مَكَّةَ، وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ هُنَا، فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ غَيْرُ مُلْزَمٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ فَتَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَشْيٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ قُلْنَا هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute