مُحْرِمًا بِهِ.
وَعِنْدَهُمَا الْإِشْعَارُ بِمَنْزِلَةِ التَّجْلِيلِ فَإِنَّهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ مِنْ الْبَدَنَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ التَّقَرُّبِ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلَ الْإِجَابَةِ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا ثُمَّ إذَا نَوَى عِنْدَ التَّقْلِيدِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ بِمَنْزِلَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ إنَّمَا نَوَى الْإِحْرَامَ فَقَطْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَتَى بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ حَجًّا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ عُمْرَةً، وَإِنْ قَلَّدَ الشَّاةَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي الشَّاةِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا، وَإِنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَبَعَثَ بِهِ وَهُوَ لَا يَنْوِي الْإِحْرَامَ ثُمَّ خَرَجَ فِي أَثَرِهِ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يُدْرِكَ هَدْيَهُ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ وَسَارَ مَعَهُ صَارَ مُحْرِمًا الْآنَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ فَقَلَّدَهَا وَبَعَثَ بِهَا وَأَقَامَ بِأَهْلِهِ حَلَالًا لَا يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ» فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ. وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إذَا قَلَّدَهَا صَارَ مُحْرِمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا تَوَجَّهَ فِي أَثَرِهَا صَارَ مُحْرِمًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا أَدْرَكَهَا فَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا فَأَخَذْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا إذَا أَدْرَكَهَا وَسَاقَهَا صَارَ مُحْرِمًا لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا فِي بَدَنَةِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يَخْرُجَ عَلَى أَثَرِهَا، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا حَتَّى يُدْرِكَهَا فَيَسُوقَهَا كَمَا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ النُّسُكَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَكَمَا كَانَ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ بِابْتِدَاءِ الشُّرُوعِ فِي الْإِحْرَامِ لِهَدْيِ الْمُتْعَةِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَصِيرَ مُحْرِمًا بِنَفْسِ التَّوَجُّهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ بِخِلَافِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ
(قَالَ): وَإِنْ اشْتَرَكَ قَوْمٌ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَهُمْ يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ فَقَلَّدَهَا بَعْضُهُمْ بِأَمْرِ أَصْحَابِهِ صَارُوا مُحْرِمِينَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ شُرَكَائِهِ كَفِعْلِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ قَلَّدَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ صَارَ هُوَ مُحْرِمًا دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِغَيْرِ أَمَرِهِمْ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِمْ وَبِدُونِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِمْ لَا يَصِيرُونَ مُحْرِمِينَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَلَّدَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ لَا يَصِيرُونَ مُحْرِمِينَ فَكَذَلِكَ إذَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الشُّرَكَاءِ يَصِيرُ هُوَ مُحْرِمًا دُونَهُمْ
(قَالَ): وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِ هَدْيِهِ إذَا نَحَرَهُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا».
(قَالَ): وَلَا يُعْطِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي أَجْرِ جِزَارَتِهِ لَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ لَحْمِهِ وَلَا مِنْ جِلَالِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute