للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهَا تَضْطَرِبُ عِنْدَ الذَّبْحِ فَيُصِيبُهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَجُعِلَ عَفْوًا لِهَذَا، وَلِأَنَّهُ أَضْجَعَهَا لَيُتْلِفَهَا فَتَلِفَ جُزْءٌ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْجَوَازِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ.

(قَالَ:): وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ الذَّنَبِ بَعْضَهُ، فَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ مِنْهُ كَثِيرًا يَمْنَعُ الْجَوَازَ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ» فَالشَّرْقَاءُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ عَرْضًا وَالْخَرْقَاءُ طُولًا وَالْمُقَابَلَةُ الَّتِي ذَهَبَ قُدَّامُ أُذُنِهَا وَالْمُدَابَرَةُ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ خَلْفَ أُذُنِهَا إلَّا أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ عَادَةً فَجُعِلَ عَفْوًا، وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ»، وَلَكِنْ جَعَلَهُ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يُجْزِي فِي الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِلثُّلُثِ وَمَا دُونَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الذَّاهِبَ إذَا كَانَ بِقَدْرِ الرُّبْعِ يُمْنَعُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ الرُّبْعَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْكَمَالِ كَمَا فِي الْمَسْحِ وَالْحَلْقِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الذَّاهِبُ أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَكْثَرَ مِنْ الذَّاهِبِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ، وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ وَالْبَاقِي سَوَاءً لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ إذَا اسْتَوَى بِالْمُجَوِّزِ يَتَرَجَّحُ الْمَانِعُ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ: أَخْبَرْتُ بِقَوْلِي أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَالَ: قَوْلِي قَوْلُكَ أَوْ مِثْلُ قَوْلِكَ، قِيلَ: هَذَا رُجُوعٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَوْلِهِ، وَقِيلَ: هُوَ إشَارَةٌ إلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ

(قَالَ:): وَيُجْزِي فِي الْهَدْيِ الْخَصِيُّ وَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ؛ لِأَنَّ مَا لَا قَرْنَ لَهُ يُجْزِي فَمَكْسُورُ الْقَرْنِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَسَاكِينِ فِي قَرْنِ الْهَدْيِ وَأَمَّا جَوَازُ الْخَصِيِّ فَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا زَادَهُ الْخَصَا فِي طِيبَةِ لَحْمِهِ خَيْرٌ لِلْمَسَاكِينِ مِمَّا فَاتَ مِنْ الْخَصِيِّينَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحِينَ مَوْجُوءَيْنِ يَنْظُرَانِ فِي سَوَادٍ وَيَمْشِيَانِ فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلَانِ فِي سَوَادٍ أَحَدِهِمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخِرِ عَنْ أُمَّتِهِ»

(قَالَ:): فَإِنْ اشْتَرَى هَدْيًا ثُمَّ ضَلَّ مِنْهُ فَاشْتَرَى مَكَانَهُ آخَرَ وَقَلَّدَهُ وَأَوْجَبَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ نَحَرَهُمَا فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَادَ وَلِأَنَّهُ كَانَ وَعَدَ أَنْ يَنْحَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنْ نَحَرَ الْأَوَّلَ وَبَاعَ الثَّانِيَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ الثَّانِيَ لِيَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ لِيَكُونَ خَلَفًا عَنْ الْأَوَّلِ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>