يُحَجُّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ لَا يَكْفِي لِلْحَجِّ مِنْ مَنْزِلِهِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ تَبْطُلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ الْوَصِيُّ عَنْ تَنْفِيذِ مَا أَمَرَ بِهِ وَهُوَ الْحَجُّ مِنْ مَنْزِلِهِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى نَسَمَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتُعْتَقُ عَنْهُ وَكَانَ ثُلُثُ مَالِهِ دُونَ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ ابْتِغَاءُ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَيْلُ الثَّوَابِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ يَنْفُذُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَالْوَصِيَّةُ تَقَعُ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنَّمَا أَوْصَى بِعَبْدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ بِعَبْدٍ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِذَلِكَ الْمَالِ مَاشِيًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَحُجُّوا مِنْ مَنْزِلِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا حَتَّى قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّوَادِرِ: رَاكِبُ الْبَعِيرِ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ رَاكِبِ الْحِمَارِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ مَاشِيًا إنْ وَجَدَ النَّفَقَةَ فَكَذَلِكَ لَا يُحَجُّ عَنْهُ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْخِيَارُ إلَى الْوَصِيِّ إنْ شَاءَ أَحَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ رَاكِبًا، وَإِنْ شَاءَ مِنْ مَنْزِلِهِ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ زِيَادَةً فِي الْمَسَافَةِ وَنُقْصَانًا فِي النَّفَقَةِ، وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ زِيَادَةٌ فِي النَّفَقَةِ وَنُقْصَانٌ فِي الْمَسَافَةِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَيْلُ الثَّوَابِ فَيَخْتَارُ الْوَصِيُّ أَيَّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ، فَأَمَّا الْمُحْصَرُ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ فَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ، وَهَذَا شَاهِدٌ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ الْمُحْصَرَ غَيْرُ مُخَالِفٍ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ قَضَاءُ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ عَلَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ أَصْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّ لِلْمَيِّتِ ثَوَابَ النَّفَقَةِ فَإِنْ أَمَرَهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْحَجِّ فَأَهَّلَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا كَانَ ضَامِنًا لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ فِي سَفَرٍ يَخْلُصُ لَهُ وَأَنْ يَنْوِيَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ صَارَ مُخَالِفًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ لَزِمَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حِينَ نَوَاهُمَا، وَلَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ نِيَّتِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكُونُ عَنْ الِاثْنَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَنْهُمَا فَبَقِيَتْ نِيَّةُ أَصْلِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ بَعْدُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ أَبَوَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ فِي تَرْكِهِ تَعْيِينَ أَحَدِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ بَلْ يَجْعَلُ التَّعْيِينَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَهُنَا هُوَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ فِيمَا صَنَعَ، وَهَذَا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَبِتَرْكِ التَّعْيِينِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute