إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِالْقِرَانِ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ نُسُكٌ وَسَائِرُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا النُّسُكُ، وَلِأَنَّ لِهَذَا الدَّمِ بَدَلًا وَهُوَ الصَّوْمُ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُشْكِلْ أَنَّ الصَّوْمَ عَلَيْهِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْهَدْيُ يَكُونُ عَلَيْهِ
(قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَرَنَ مَعَهَا حَجَّةً فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا نَفَقَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ يَكُونُ عَلَى الْحَاجِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمَيِّتِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَبِهَذَا الْفَصْلِ يَتَّضِحُ كَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا بَيَّنَّا
(قَالَ): وَإِذَا كَانَ أُمِرَ بِالْحَجِّ فَبَدَأَ وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ كَانَ مُخَالِفًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْمُتَمَتِّعُ يَحُجُّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ فَكَانَ هَذَا غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَفَرٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ فِي سَفَرٍ كَانَ عَامِلًا فِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَهُوَ فِي الْعُمْرَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ
(قَالَ): وَكُلُّ دَمٍ يَلْزَمُ الْمُجَهِّزَ يَعْنِي الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ فَهُوَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دَمَ نُسُكٍ فَإِقَامَةُ الْمَنَاسِكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ فَالْجِنَايَةُ وُجِدَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ دَمًا وَجَبَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَهُوَ الَّذِي تَرَكَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الدِّمَاءُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ فَإِنَّهُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ عَلَى الْحَاجِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لِتَعْجِيلِ الْإِحْلَالِ فَيَكُونُ قِيَاسُ الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْجِمَاعِ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَمِ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّحَلُّلِ وَهُمَا احْتَجَّا، وَقَالَا: دَمُ الْإِحْصَارِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْإِحْرَامِ وَهُوَ بِمُبَاشَرَةِ الْإِحْرَامِ كَانَ عَامِلًا لِلْمَيِّتِ فَكَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْمُدْخِلُ لَهُ فِي هَذَا حُكْمًا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، ثُمَّ أُحْصِرَ كَانَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ الرُّجُوعِ، وَنَفَقَةُ الرُّجُوعِ فِي مَالِ الْبَيْتِ وَكَانَ الْحَاجُّ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، فَكَذَلِكَ دَمُ الْإِحْصَارِ فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَاجُّ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ عَلَى وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَيُحِجُّ بِهِ إنْسَانًا مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِأَمْرِ الْمَيِّتِ فِيمَا أَنْفَقَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَنْفَقَ فَكَذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ، وَقَوْلُهُ " مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ " يَعْنِي إذَا كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ مِنْ مَنْزِلِ الْمَيِّتِ فَيَحُجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يُمْكِنُ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْ فِي الِابْتِدَاءِ ثُلُثُ مَالِهِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَيَحُجُّ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّمَا يُحَجُّ مِنْ مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِلْحَجِّ بِنَفْسِهِ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute