للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَجِّجَ الْوَصِيُّ بِمَالِهِ رَجُلًا فَإِنْ حَجَّجَ امْرَأَةً جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ حَجَّ الْمَرْأَةِ أَنْقَصُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَمَلٌ وَلَا سَعْيٌ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَلَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا الْحَلْقُ فَكَانَ إحْجَاجُ الرَّجُلِ عَنْهُ أَكْمَلَ مِنْ إحْجَاجِ الْمَرْأَةِ

(قَالَ): وَإِنْ أَحَجَّ بِمَالِهِ رَجُلًا فَجَامَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي إحْرَامِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَفَرٍ يُؤَدِّي بِهِ حَجًّا صَحِيحًا فَبِالْإِفْسَادِ يَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَكُونُ ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ وَالدَّمِ وَقَضَاءِ الْحَجِّ، وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَكُونُ لِلْحَاجِّ حَتَّى إنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا وَافَقَ فَالْحَجُّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَلَكِنْ إذَا خَالَفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَكَانَ وَاقِعًا عَنْ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ مُوجَبُهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا وَافَقَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِأَمْرِهِ، وَلَوْ خَالَفَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ

(قَالَ): وَلَوْ قَرَنَ مَعَ الْحَجِّ عُمْرَةً كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا لِلنَّفَقَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ مَا يُجَانِسُهُ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُخَالِفًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّى لَهُ مِنْ جِنْسِهِ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ فَهُوَ بِالْقِرَانِ زَادَ لِلْمَيِّتِ خَيْرًا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هُوَ مَأْمُورٌ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَفَرٍ مُجَرَّدٍ لِلْحَجِّ، وَسَفَرُهُ هَذَا مَا تَفَرَّدَ لِلْحَجِّ بَلْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا لَوْ تَمَتَّعَ، وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي زَادَهَا لَا تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِلْحَاجِّ فِي أَدَاءِ النُّسُكِ عَنْهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا أَمَرَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعُمْرَةِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ عُمْرَتُهُ عَنْ الْمَيِّتِ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَهُنَاكَ يَصِيرُ مُخَالِفًا فَكَذَا هُنَا إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ، وَإِنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ الَّتِي أَدَّاهَا عَنْ نَفْسِهِ وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ الْحَجِّ لِلْمَيِّتِ بِجَمِيعِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا ضَمَّ إلَيْهِ عُمْرَةَ نَفْسِهِ فَقَدْ حَصَلَ الْحَجُّ لِلْمَيِّتِ بِبَعْضِ النَّفَقَةِ، وَبِهَذَا لَا يَكُونُ مُخَالِفًا كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُجَرِّدَ السَّفَرَ لِلْمَيِّتِ، فَإِذَا اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجَرِّدْ السَّفَرَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَبِقَدْرِ مَا يُنْتَقَصُ بِهِ يُنْتَقَصُ مِنْ الثَّوَابِ فَكَانَ هَذَا الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ لَا مَنْفَعَةً لَهُ، ثُمَّ دَمُ الْقِرَانِ عِنْدَهُمَا يَكُونُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>