الْمَيِّتِ، فَإِذَا لَمْ يُفِدْ هَذَا التَّعْيِينُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ صَارَ كَأَنَّ التَّعْيِينَ لَمْ يُوجَدْ وَمَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَلِهَذَا يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ
(قَالَ): وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةٍ وَعِتْقِ نَسَمَةٍ وَالثُّلُثُ لَا يَسَعُهُمَا يَبْدَأُ بِاَلَّذِي بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الْبِدَايَةَ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْعِنَايَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى قَبْلَ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجَبَ أَوَّلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَحِينَئِذٍ يَبْدَأُ بِهَا، وَإِنْ أَخَّرَهُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْبِدَايَةِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْقُوَّةِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُوصَى يَقْصِدُ تَقْدِيمَ الْفَرْضِ فِي الْأَدَاءِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ عَلَى التَّبَرُّعِ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ
(قَالَ): وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِثُلُثِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " حَجَّةً " حُجَّ عَنْهُ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثُّلُثَ مَصْرُوفًا إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقُرْبَةِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فِي جَمِيعِ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يُفْعَلَ بِثُلُثِهِ طَاعَةٌ أُخْرَى
(قَالَ): وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ رَجُلٌ حَجَّةً فَأَحَجُّوهُ فَلَمَّا قَدِمَ فَضَلَ مَعَهُ كِسْوَةٌ وَنَفَقَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَتَمَلَّكُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّمْلِيكَ يَكُونُ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بُطْلَانَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَإِنَّمَا يُنْفَقُ الْمَالُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْكِفَايَةَ حِينَ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ فَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ
(قَالَ): وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ، فَقَالَ: أَحِجُّوا فُلَانًا حَجَّةً، وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي، وَلَمْ يُسَمِّ كَمْ يُعْطَى فَإِنَّهُ يُعْطَى بِقَدْرِ مَا يُحِجُّهُ حَجَّةً وَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ إذَا أَخَذَهُ بَلْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عَنْهُ، إنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ الْحَجَّ عِيَارًا لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مِنْ الْمَالِ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحُجَّ بِذَلِكَ الْمَالِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّةً صَحِيحَةً يَجِبُ تَنْفِيذُهَا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَمَشُورَتُهُ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ فَإِنْ شَاءَ حَجَّ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحُجَّ
(قَالَ): وَإِذَا أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَأَوْصَى بِوَصَايَا لِأُنَاسٍ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ يُضْرَبُ لِلْحَجِّ فِيهِ بِأَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ نَفَقَةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْحَجِّ وَجَبَ تَنْفِيذُهَا لَهُ بِنَفَقَةِ الْمُوصِي وَوَجَبَ تَنْفِيذُ سَائِرِ الْوَصَايَا حَقًّا لِلْمُوصَى لَهُمْ فَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْحُقُوقِ تَجْرِي الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمْ فِي الثُّلُثِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَجِّ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّتَيْنِ هُنَاكَ لِحَقِّ الْمُوصِي فَلِهَذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، ثُمَّ مَا خَصَّ الْحَجَّ مِنْ الثُّلُثِ هُنَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمْكِنُ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ثُلُثُ مَالِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute