الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ لَا تُجْزِي فِي أَعْمَالِ الصَّلَاةِ. تَوْضِيحُهُ أَنَّ النِّيَابَةَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَفِي أَصْلِ الْإِحْرَامِ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْهُ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ فَيَنُوبُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَأَمَّا فِي أَدَاءِ الْأَعْمَالِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَحْضَرُوهُ الْمَوَاقِفَ كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ، وَإِذَا طَافُوا بِهِ كَانَ هُوَ الطَّائِفَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَافَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ
(قَالَ): فَإِنْ أَصَابَ الَّذِي أَهَلَّ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مِنْ قِبَلِ إهْلَالِهِ عَنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إهْلَالِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِهَذَا الْإِهْلَالِ يَصِيرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِهِ إفْصَاحًا، فَأَمَّا الْمُهِلُّ بِهَذَا الْإِهْلَالِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ إحْرَامِهِ
(قَالَ): وَإِذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ أُمِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ): بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَقْبَلَ»، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّتِي سَأَلَتْهُ أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا: حُجِّي وَاعْتَمِرِي» وَأَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي قَدْ تُوُفِّيَتْ وَأَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا، فَقَالَ:» فَهَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى الْوَارِثِ يَتَبَرَّعُ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقُرَبِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَاذَا قَيَّدَ الْجَوَابَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ مَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ.
(قُلْنَا)؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ أُطْلِقَ الْجَوَابُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
(قُلْنَا) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ فَفِيمَا طَرِيقُهُ الْعَمَلُ أُطْلِقَ الْجَوَابُ فِيهِ، فَأَمَّا سُقُوطُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَيِّتِ بِأَدَاءِ الْوَرَثَةِ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا قُيِّدَ الْجَوَابُ بِالِاسْتِثْنَاءِ
(قَالَ): رَجُلٌ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَأَحَجَّ الْوَصِيُّ عَنْهُ رَجُلًا فَهَلَكَتْ النَّفَقَةُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَالَ: يَحُجُّ عَنْهُ حَجَّةً أُخْرَى مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُجَّ بِهِ يَحُجُّ عَنْهُ ثَانِيًا وَإِلَّا فَقَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي تَعْيِينِ الْمَالِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمُوصِي مَالًا فَهَلَكَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فَكَذَلِكَ إذَا عَيَّنَ الْوَصِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: مَحِلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَتَعْيِينُ الْوَصِيِّ الثُّلُثَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَيَّزُ الثُّلُثُ لِلْوَصِيَّةِ، فَأَمَّا تَعْيِينُهُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الثُّلُثِ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَعْيِينُ الْمَالِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ الْحَجُّ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute