للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَّةً وَلَا عُمْرَةً بِعَيْنِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ فِي الِانْتِهَاءِ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ كَتَعْيِينِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَلَا يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ فَتَرْكُهُ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِيهِ لَا يَجْعَلُهُ مُخَالِفًا، وَإِذَا عَيَّنَ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِ الْأَدَاءِ كَانَ ذَلِكَ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّوَافِ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِالْعَمَلِ تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ أَدَاءَ الْعَمَلِ مَعَ إبْهَامِ النُّسُكِ لَا يَكُونُ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَ إحْرَامُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ

(قَالَ): وَإِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي مَعَهُ، ثُمَّ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إهْلَالِهِ عَنْ ابْنِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ فِي إهْلَالِهِ عَنْ ابْنِهِ كَعِبَارَةِ ابْنِهِ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَيَصِيرُ الِابْنُ مُحْرِمًا بِهَذَا لَا أَنْ يَصِيرَ الْأَبُ مُحْرِمًا عَنْهُ بَقِيَ لِلْأَبِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَارِنِ فَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ نَفْسِهِ بِإِحْرَامَيْنِ فَكَانَ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ

(قَالَ): وَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْبَيْتَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ أَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَوَقَفُوا بِهِ فِي الْمَوَاقِفِ وَقَضَوْا لَهُ النُّسُكَ كُلَّهُ، قَالَ: يُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُجْزِيهِ. وَالْقِيَاسُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْرَامِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِلْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَلَا يَصِيرُ هُوَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِهِمْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِحْرَامِ عَقْدٌ لَازِمٌ وَإِلْزَامُ الْعَقْدِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِوِلَايَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ انْعَدَمَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْغَيْرِ عَنْهُ بِدُونِ أَمْرِهِ لَا تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ لَا تَتَأَدَّى بِأَدَاءِ الْأَصْحَابِ عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْإِحْرَامُ، وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرِّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَالْإِذْنُ دَلَالَةً بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ إفْصَاحًا كَمَا فِي شُرْبِ مَاءِ السِّقَايَةِ وَكَمَنْ نَصَبَ الْقِدْرَ عَلَى الْكَانُونِ وَجَعَلَ فِيهِ اللَّحْمَ وَأَوْقَدَ النَّارَ تَحْتَهُ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَطَبَخَهُ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِوُجُودِ الْإِذْنِ دَلَالَةً، وَإِذَا ثَبَتَ الْإِذْنُ قَامَتْ نِيَّتُهُمْ مَقَامَ نِيَّتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ نَصًّا. وَأَمَّا سَائِرُ الْمَنَاسِكِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ نِيَّاتِهِمْ عَنْهُ فِي أَدَائِهَا صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقِفُوا بِهِ وَأَنْ يَطَّوَّفُوا بِهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى أَدَائِهِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا، وَلَوْ أَدَّوْا عَنْهُ جَازَ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ فَرَّقَ، فَقَالَ: الْإِحْرَامُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَتُجْزِي النِّيَابَةُ فِي الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ لَا تُجْزِي فِي الْأَعْمَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ أَعْضَاءَهُ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>