مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِالْبُسْتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ، وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِالْبُسْتَانِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَصِيرُ مُتَوَطِّنًا بِالْبُسْتَانِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْبُسْتَانِ، وَإِنْ نَوَى الْمُقَامَ بِهَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ مَاضٍ عَلَى سَفَرِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ أَنَّهُ حَصَلَ بِالْبُسْتَانِ قَبْلَ قَصْدِهِ دُخُولَ مَكَّةَ، فَإِنَّمَا قَصَدَ دُخُولَ مَكَّةَ بَعْدَ مَا حَصَلَ بِالْبُسْتَانِ فَكَانَ حَالُهُ كَحَالِ أَهْلِ الْبُسْتَانِ
(قَالَ): وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونِهَا إلَى مَكَّةَ أَنْ يَقْرِنَ أَوْ أَنْ يَتَمَتَّعَ وَهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ أَمَّا الْمَكِّيُّ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي ذَلِكَ {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ خَاصَّةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ يَكُونُ مَنْزِلُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى مَسِيرَةٍ لَا يَجُوزُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ، وَقُلْنَا أَهْلُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ دُونِهَا إلَى مَكَّةَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا وَكَمَا لَا يَتَمَتَّعُ مَنْ هُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَكَذَلِكَ لَا يَقْرِنُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ لَهُ الْقِرَانُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَارِنَ عَلَى قَوْلِهِ يَتَرَفَّهُ بِإِدْخَالِ عَمَلِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَالْمَكِّيُّ فِي هَذَا وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَعِنْدَنَا مَعْنَى التَّرَفُّهِ بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ فِي أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ لَا فِي إدْخَالِ عَمَلِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى السَّفَرِ لِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَلَا يَلْحَقُهُ بِالسَّفَرِ كَثِيرُ مَشَقَّةٍ فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا كَانَ بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ لَهُمَا صَحَّ وَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَارِنِ أَنْ تَكُونَ حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ مُتَقَارِنَتَيْنِ يُحْرِمُ بِهِمَا جَمِيعًا مَعًا، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ، وَلَوْ اعْتَمَرَ هَذَا الْمَكِّيُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ الْآفَاقِيَّ إنَّمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إذَا لَمْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَالْمَكِّيُّ هُنَا يُلِمُّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ حَلَالًا إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَكَذَلِكَ إنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ، ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ إلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ وَهُنَا الْعَوْدُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَكَانَ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ صَحِيحًا، فَلِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute