لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَعَلَى هَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ، ثُمَّ مَاتَ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِله وَهُوَ بِمَكَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ يُخْرِجُ مُسَافِرًا فَيُوصِي بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى هَذَا الْمَكِّيُّ بِأَنْ يُقْرَنَ عَنْهُ مِنْ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ لَا يَكُونُ مِنْ مَكَّةَ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُقْرَنَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ.
(قَالَ): وَالْمَكِّيُّ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَهُ فَلَمْ يُجَاوِزْ الْوَقْتَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ جَاوَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ قَصَدَ إلَى مَوْضِعٍ فَحَالُهُ فِي حُكْمِ الْإِحْرَامِ كَحَالِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
(قَالَ): وَوَقْتُ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ الْحَرَمُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَصَلَ بِمَكَّةَ حَلَالًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِفَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ فَحَلُّوا مِنْهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ»
(قَالَ): وَمِيقَاتُ إحْرَامِ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ التَّنْعِيمُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ مَوْضِعِ أَدَاءِ النُّسُكِ، وَأَدَاءُ الْحَجِّ يَكُونُ بِالْوُقُوفِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ فَالْإِحْرَامُ بِهِ يَكُونُ فِي الْحَرَمِ وَأَدَاءُ نُسُكِ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ فَالْإِحْرَامُ بِهَا يَكُونُ فِي الْحِلِّ.
(قَالَ): كُوفِيٌّ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ نَحْوَ مَكَّةَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ جَازَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ أَحَدٌ إلَّا مُحْرِمًا، فَإِذَا جَاوَزَهُ حَلَالًا فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ» وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْمِيقَاتِ فَتَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي حَجِّهِ وَنُقْصَانُ الْحَجِّ يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَبَّى إنْ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ وَمَكَانِهِ فَصَارَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ إلَّا مُحْرِمًا فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْحَجِّ بِإِحْرَامٍ يُبَاشِرُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ أَتَى بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ لَبَّى عِنْدَ الْمِيقَاتِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ، فَإِذَا أَحْرَمَ بَعْد مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَقَدْ تَرَكَ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعُدْ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إنْشَاءُ تَلْبِيَةٍ وَاجِبَةٍ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَوُجُوبُ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لَا بَعْدَهُ فَهُوَ - وَإِنْ لَبَّى عِنْدَ الْمِيقَاتِ - فَإِنَّمَا أَتَى بِتَلْبِيَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُتَدَارِكًا لِمَا فَاتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute