للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ يَصِيرُ رَطْبًا، وَمَا عَلَى الرَّطْبِ مِنْ الرُّطُوبَةِ رُطُوبَةُ الْأَمْعَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَفَتِّتِ فَإِنْ كَانَ مُتَفَتِّتًا، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْخُلُ فِي أَجْزَائِهِ فَيَتَنَجَّسُ، ثُمَّ يَخْرُجُ، وَهُوَ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمُتَفَتِّتِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِيهِ قَائِمَةٌ.

وَأَمَّا السِّرْقِينِ فَقَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ يُفْسِدُ الْمَاءَ رَطْبًا كَانَ، أَوْ يَابِسًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ الصَّلَابَةِ كَمَا لِلْبَعْرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي تَبِنَةٍ، أَوْ تَبِنَتَيْنِ مِنْ الْأَرْوَاثِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ اسْتَحْسَنَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ، وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقِيَامِ الْبَلْوَى فِيهِ حَتَّى قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ لَوْ حَلَبَ عَنْزًا فَبَعَرَتْ فِي الْمَحْلَبِ يَرْمِي بِالْبَعْرَةِ، وَيَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوًى فَإِنَّ الْعَنْزَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُحْلَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْعَرَ فِي الْمَحْلَبِ.

قَالَ (وَلَا يَتَوَضَّأُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْمَاءَ) إلَّا بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ أَمَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فَفِي الْأَصْلِ قَالَ يَتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ مَعَ ذَلِكَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَيَمَّمُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَرَوَى نُوحُ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: ٤٣]، وَخَبَرُ نَبِيذِ التَّمْرِ كَانَ بِمَكَّةَ، وَآيَةُ التَّيَمُّمِ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فَانْتَسَخَ بِهَا خَبَرُ نَبِيذِ التَّمْرِ؛ لِأَنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ جَائِزٌ، وَالْقِيَاسُ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ فَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَنْبِذَةِ تَرَكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْقِيَاسَ بِحَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ فَلَمَّا انْصَرَفَ إلَيْهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ قَالَ أَمَعَكَ مَاءٌ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لَا إلَّا نَبِيذَ تَمْرٍ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُورٌ، وَأَخَذَهُ، وَتَوَضَّأَ بِهِ»، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ نَبِيذُ التَّمْرِ طَهُورُ مَنْ لَا يَجِدْ الْمَاءَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالسُّنَّةِ، وَبِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا كَانَ فَقِيهًا فَأَمَّا آيَةُ التَّيَمُّمِ تَتَنَاوَلُ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَهَذَا مَاءٌ شَرْعًا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَمَاءٌ طَهُورٌ»، وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْآيَةَ تُوجِبُ التَّيَمُّمَ، وَالْخَبَرَ يُوجِبُ التَّوَضُّؤُ بِالنَّبِيذِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا، وَإِذَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ فَهَا هُنَا أَوْلَى.

وَصِفَةُ نَبِيذِ التَّمْرِ الَّذِي يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ أَنْ يَكُونَ حُلْوًا رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ كَالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَهُوَ كَالرُّبِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا فَهُوَ حَرَامٌ شُرْبُهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَطْبُوخًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ حُلْوًا

<<  <  ج: ص:  >  >>