إلَّا ثَوْبٌ، وَاحِدٌ يَنَامُ فِيهِ كَمَا كَانَ لِأَصْحَابِ الصُّفَّةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ دَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَعْنِي لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً، وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِبَارِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا دَمُ الْحَلَمِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ مَا صَلَّى، وَهُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ سَائِلٍ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ الْأَذَى كَانَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» كَانَ دَمُ حَلَمٍ.
قَالَ (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ فَأَخْبَرَهُ بَعْضٌ أَنَّهُ قَذِرٌ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ)؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ حُجَّةٌ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً حَتَّى كَانَ رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ فَكَذَلِكَ إخْبَارُهُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ.
قَالَ (وَإِذَا أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِي كُوزِ مَاءٍ، وَلَا يُعْلَمُ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَاتِ عَادَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ يَدَهُ لَا تَخْلُو عَنْ نَجَاسَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّوَضُّؤِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَحَالُهُ كَحَالِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا سُؤْرَهَا.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ حُبٍّ يُوضَعُ كُوزُهُ فِي نَوَاحِي الدَّارِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَذِرٌ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ، وَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النُّزُوعِ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِالنَّجَاسَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ اسْتَسْقَى الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ أَلَا نَأْتِيكَ بِالْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْبُيُوتِ فَإِنَّ النَّاسَ يُدْخِلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي مَاءِ السِّقَايَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْنُ مِنْهُمْ».
قَالَ (وَإِذَا وَقَعَ بَعْرُ الْغَنَمِ، أَوْ الْإِبِلِ فِي الْبِئْرِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا)، وَفِي الْقِيَاسِ يَتَنَجَّسُ الْبِئْرُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ يَخْلُصُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فَيَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا، وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْجُسُ لِلْبَلْوَى فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْآبَارِ فِي الْفَيَافِي، وَالْمَوَاشِي تَبْعَرُ حَوْلَهَا، ثُمَّ الرِّيحُ تُسْفِي بِهِ فَتُلْقِيهِ فِي الْبِئْرِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ كَانَ فِيهِ انْقِطَاعُ السُّبُلِ، وَالرُّسُلِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرُّخْصَةَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَقُلْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْزَحُوا مَاءَ الْبِئْرِ كُلَّهُ، وَالْكَثِيرُ مَا اسْتَكْثَرَهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ، وَقِيلَ أَنْ يُغَطِّيَ رُبُعَ وَجْهِ الْمَاءِ، وَقِيلَ أَنْ لَا تَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ يَابِسًا فَإِنْ كَانَ رَطْبًا تَفْسُدُ الْبِئْرُ بِقَلِيلِهِ، وَكَثِيرِهِ، ثُمَّ قَالَ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ ثَقِيلٌ لَا يَسْفِي بِهِ الرِّيحُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّطْبِ مِنْ الصَّلَابَةِ، وَالِاسْتِمْسَاكِ مَا لِلْيَابِسِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute