للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِانْعِدَامِ الْفِرَاشِ، وَلَا هُوَ بِعَرْضِ الثُّبُوتِ مِنْهُ وَلَنَا أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا بَعْضُهُ فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَوَلَدِ الرَّاشِدَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ حَقِيقَتُهُ بِالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْوَلَدُ الْمَخْلُوقُ مِنْ الْمَاءَيْنِ يَكُونُ بَعْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هِيَ بِضْعَةٌ مِنِّي» وَالْبَعْضِيَّةُ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا لَا يَسْتَمْتِعُ بِنَفْسِهِ لَا يَسْتَمْتِعُ بِبَعْضِهِ إلَّا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ لَا لِانْعِدَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَلْ لِلِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ يَأْتِيهَا غَيْرُ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ بِالزِّنَا رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى نِسْبَةِ وَلَدٍ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ حَتَّى إنَّ فِي جَانِبِهَا لَمَّا كَانَ لَا يُؤَدِّي إلَى هَذَا الِاشْتِبَاهِ كَانَ النَّسَبُ ثَابِتًا، وَلِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ شَرْعًا لِمَعْنَى الزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ مَاءَهُ يَضِيعُ بِالزِّنَا يَتَحَرَّزُ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا، وَذَلِكَ يُوجِبُ إثْبَاتَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الزَّجْرِ عَنْ الزِّنَا بِهِ يَحْصُلُ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ بِسَبَبِ الْحَرَامِ مَرَّةً يَفُوتُهُ حَلَالٌ كَثِيرٌ يَمْتَنِعُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْحَرَامِ فَلِهَذَا أَثْبَتْنَا الْحُرْمَةَ.

وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ هُنَا إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ كَمَا ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ تَثْبُتُ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ أَصْلًا فِي الْمِلْكِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ قَبَّلَ أُمَّتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا عِنْدَهُ يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِمَا يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، وَلَيْسَ لِلْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ تَأْثِيرٌ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَقَاسَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ وَالْمَسَّ فِيهِ لَا يُجْعَلُ كَالدُّخُولِ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي إيجَابِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، فَكَذَا هُنَا، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِآثَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. وَعَنْ مَسْرُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: بِيعُوا جَارِيَتِي هَذِهِ أَمَا إنِّي لَمْ أُصِبْ مِنْهَا مَا يُحَرِّمُهَا عَلَى وَلَدِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ، وَلِأَنَّ الْمَسَّ وَالتَّقْبِيلَ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ فَإِنَّهُ مِنْ دَوَاعِيه وَمُقَدَّمَاتِهِ فَيُقَامُ مُقَامَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْوَطْءِ شَرْعًا يُقَامُ مُقَامَهُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ وَهِيَ الرَّبِيبَةُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَيُقَامُ السَّبَبُ الدَّاعِي فِيهِ مُقَامَ الْوَطْءِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ سَائِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>