فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا قَوْلُهَا إنْ أَخْبَرَتْ إلَّا أَنْ تُفَسِّرَ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ مِنْ إسْقَاطِ سِقْطٍ مُسْتَبِينِ الْخَلْقِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ إنْ صَدَّقَتْهُ أَوْ كَانَتْ سَاكِتَةً أَوْ غَائِبَةً فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى أَوْ أُخْتَهَا إنْ شَاءَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَذَّبَتْهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا، وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ فَإِنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ بِمَا فِي رَحِمِهَا، وَقَدْ أَخْبَرَتْ بِبَقَاءِ عِدَّتِهَا وَالزَّوْجُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ فَيَسْقُطُ مِنْهُ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ كَشَاهِدِ الْأَصْلِ أَنْ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْفَرْعِ أَوْ رَاوِيَ الْأَصْلِ إنْ كَذَبَ الرَّاوِي عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بَقَاءُ نَفَقَتِهَا وَسُكْنَاهَا وَثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَبِالِاتِّفَاقِ إذَا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا يَبْطُلُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، فَكَذَلِكَ إذَا قَضَيْنَا بِنَفَقَتِهَا، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ أَمِينًا مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِيهِ إذَا اُحْتُمِلَ كَمَنْ قَالَ: صُمْتُ أَوْ صَلَّيْتُ.
وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِحِلِّ نِكَاحِ أُخْتِهَا لَهُ. وَلَا حَقَّ لِلْمُطَلَّقَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا حَقُّ الْعِبَادِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ حَقٍّ لَهُمْ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ تَكْذِيبُهَا فِيهِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ يَثْبُتُ لَهُ حِلُّ نِكَاحِ أُخْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا، وَلَوْ بَطَلَ ذَلِكَ الْحَقُّ إنَّمَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِهَا وَتَكْذِيبُهَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي إبْقَاءِ حَقِّهَا لَا فِي إبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلزَّوْجِ وَالنَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى حَقُّهَا فَيَكُونُ بَاقِيًا، وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُخْتِ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَكْذِيبُهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِحَسَبِ الْحُجَّةِ، وَكَذَلِكَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ حَقِّهَا وَحَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَفَعُ بِهِ تُهْمَةُ الزِّنَا عَنْهَا وَيَتَشَرَّفُ بِهِ الْوَلَدُ، ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِالنَّسَبِ الْحُكْمُ بِاسْتِنَادِ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ فَإِذَا أَسْنَدْنَا صَارَ الْخَبَرُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْوَضْعِ مُسْتَنْكَرًا فَلِهَذَا بَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْتِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِهَا الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمَالَ تَكْثُرُ أَسْبَابُ وُجُوبِهِ فِي الْجُمْلَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِالنَّسَبِ الْقَضَاءُ بِالْفِرَاشِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْفِرَاشِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ بِالنَّفَقَةِ بِالْفِرَاشِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ لِلْأُخْتَيْنِ ذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ.
(قَالَ) وَإِنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ، وَكَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأُخْرَى، هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَقَالَ: الْمِيرَاثُ لِلْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا حِينَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي حُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute