الْمِيرَاثِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، فَأَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لِلْأُولَى سَوَاءٌ أَخْبَرَ الزَّوْجُ بِهَذَا أَوْ لَمْ يُخْبِرْ، وَلَكِنْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لَمَّا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَرِيضِ وَكَانَ قَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا كَمَا فِي نَفَقَتِهَا وَهُنَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ فِي صِحَّتِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي إبْطَالِ إرْثِهَا، تَوْضِيحُهُ أَنَّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ صَارَ بَائِنًا فَكَأَنَّهُ أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لِلزَّوْجِ أَنْ يَجْعَلَ الرُّجْعَى بَائِنًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَتَى كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْأُولَى فَلَا مِيرَاثَ لِلثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ إرْثِ الْأُخْتَيْنِ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ مُنَافَاةً وَمَتَى لَمْ تَرِثْ الْأُولَى وَرِثَتْهُ الثَّانِيَةُ
(قَالَ) وَإِنْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا؛ لِأَنَّ لُحُوقَهَا كَمَوْتِهَا فَلَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً بَعْدَ مَوْتِهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ مُسْلِمَةً قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ بَعْدَ مَا سَقَطَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِتَجَدُّدِ سَبَبِهَا وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا عَادَتْ مُسْلِمَةً كَانَ لُحُوقُهَا بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعَادُ إلَيْهَا مَالُهَا فَلَا تَعُودُ كَحَالِهَا فَتَعُودُ كَمَا كَانَتْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَبْلَ رُجُوعِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ مُسْلِمَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأُخْتِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَبْطُلُ ذِكْرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي الْأَمَالِي
(قَالَ): وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ الْحُرَّةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] الْآيَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: الْكِتَابِيَّةُ مُشْرِكَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١]، وَكَانَ يَقُولُ: مَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّاتِي أَسْلَمْنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَدَلَّ أَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكِتَابِيَّ مُطْلَقًا، وَلَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْكِتَابِيَّةِ بِالذِّكْرِ مَعْنًى فَإِنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ حَلَّ نِكَاحُهَا. وَقَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ الْكِتَابِيَّةَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةَ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ جَازَ، وَالْقَسْمُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَأَنَّ جَوَازَ النِّكَاحِ يَنْبَنِي عَلَى الْحِلِّ الَّذِي بِهِ صَارَتْ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَنِي الْقَسْمُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إسْرَائِيلِيَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ إسْرَائِيلِيَّةٍ. وَبَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فَصَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute