الثَّابِتُ أَيْضًا غَيْرُ مُتَجَزٍّ وَهُوَ النِّكَاحُ، فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ لِثُبُوتِ صِفَةِ الْكَمَالِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِ السَّبَبِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلتَّجَزِّي كَمَا فِي وِلَايَةِ الْأَمَانِ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِخِلَافِ الْمَوْلَيَيْنِ فَإِنَّ هُنَاكَ السَّبَبَ هُوَ الْمِلْكُ أَوْ الْوَلَاءُ، وَذَلِكَ مُتَجَزٍّ فِي نَفْسِهِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ لَا يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ فَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْآخَرُ لِأَبٍ فَعِنْدَنَا الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْتَوِيَانِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ دُونَ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَالْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ فِي الْعُصُوبَةِ مُقَدَّمٌ، وَهُوَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَثْبُتُ التَّرْجِيحُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ أَصْلُ الْوِلَايَةِ كَالْعُصُوبَةِ وَالْأَصْلُ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً مَعْتُوهَةً، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَأَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ عَلَيْهَا أَبُوهَا، ثُمَّ الْجَدُّ بَعْدَ الْأَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى - الْأَخُ وَالْجَدُّ يَسْتَوِيَانِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْأَخَ يُزَاحِمُ الْجَدَّ فِي الْعُصُوبَةِ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي الْمِيرَاثِ، فَكَذَا فِي الْوِلَايَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَدُّ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوِلَايَةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْوِلَايَةِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ مُعْتَبَرٌ وَشَفَقَةُ الْجَدِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَخِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي عَقْدِ الْجَدِّ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَيَثْبُتُ لِلْجَدِّ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا، وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَخِ، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ حَالُ الْجَدِّ أَعْلَى حَتَّى لَا يَنْقُصَ نَصِيبُهُ عَنْ السُّدُسِ بِحَالٍ فَلِهَذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْوِلَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لَا يُزَاحِمُهُ الْإِخْوَةُ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَجْدَادِ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ، وَإِنْ عَلَوْا الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ عَلَى قِيَاسِ تَرْتِيبِ الْعُصُوبَةِ، فَأَمَّا الْمَجْنُونَةُ إذَا كَانَ لَهَا ابْنٌ فَلِلِابْنِ عَلَيْهَا وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَيْسَ لِلِابْنِ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عَشِيرَتِهَا بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute