يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى نَفْسِهَا عِنْدَهُ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا، وَعِنْدَنَا تَثْبُتُ لَهَا الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهَا، فَكَذَلِكَ تَثْبُتُ لِابْنِهَا، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ تَزْوِيجِ أُمِّهِ طَبْعًا فَلَا يَنْظُرُ لَهَا فِي التَّزْوِيجِ وَلَئِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَمِيلُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ كُفْءً لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عَشِيرَتِهَا فَحِينَئِذٍ يَنْعَدِمُ هَذَا الضَّرَرُ فَأَثْبَتْنَا لَهُ الْوِلَايَةَ. وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ «النِّكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» وَالِابْنُ يَسْتَحِقُّ الْعُصُوبَةَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْفِقْهِيُّ أَنَّ الْوِرَاثَةَ نَوْعُ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَخْلُفُ الْمُوَرِّثَ مِلْكًا وَتَصَرُّفًا وَالْوِرَاثَةُ هِيَ الْخِلَافَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلِلْوِرَاثَةِ أَسْبَابُ الْفَرِيضَةِ وَالْعُصُوبَةِ وَالْقَرَابَةِ، وَلَكِنَّ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْعُصُوبَةُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ بِهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ بِهَا جَمِيعَ الْمَالِ فَلِهَذَا رَتَّبْنَا الْوِلَايَةَ عَلَى أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَهُوَ الْعُصُوبَةُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ تَزْوِيجِهَا طَبْعًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا إذَا كَانَ الِابْنُ مِنْ عَشِيرَتِهَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ فَلَوْ لَمْ يُزَوِّجْهَا الِابْنُ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْعَضْلِ فَيُزَوِّجُهَا بِنَفْسِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي الْأَبِ وَالِابْنِ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالتَّزْوِيجِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: الِابْنُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَبَ مَعَهُ يَسْتَحِقُّ السُّدُسَ بِالْفَرِيضَةِ فَقَطْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ فَلَا يَثْبُتُ لِلِابْنِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ يَنْظُرُ لَهَا عَادَةً وَالِابْنُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ لَا لَهَا فَكَانَ الْأَبُ مُقَدَّمًا فِي الْوِلَايَةِ وَبَعْدَ هَذَا التَّرْتِيبُ فِي الْأَوْلِيَاءِ لَهَا كَالتَّرْتِيبِ فِي أَوْلِيَاءِ الصَّغِيرَةِ
(قَالَ): فَإِنْ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ وَالْأَقْرَبُ حَاضِرٌ تُوقَفُ عَلَى إجَازَةِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبْعَدَ كَالْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ حَضْرَةِ الْأَقْرَبِ فَيَتَوَقَّفُ عَقْدُهُ عَلَى إجَازَةُ الْوَلِيِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ حَتَّى يَحْضُرَ الْأَقْرَبُ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَبْعَدَ مَحْجُوبٌ بِوِلَايَةِ الْأَقْرَبِ وَوِلَايَتُهُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْغَيْبَةِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي قَطْعِ الْوِلَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ التَّوَارُثُ وَأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ حَقِّ الْوَلِيِّ لِيَطْلُبَ بِهِ الْكَفَاءَةَ فَلَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِهِ بِالْغَيْبَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ النِّكَاحُ فَدَلَّ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ بَاقِيَةٌ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا مِنْ جِهَةِ الْأَقْرَبِ مَعَ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ فَيُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ كَمَا لَوْ عَضَلهَا الْأَقْرَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute