كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي كَانَ فِي مَعْنَى الضَّامِنِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ، فَأَمَّا ثُبُوتُ حَقِّ قَبْضِ الصَّدَاقِ لِلْأَبِ بِوِلَايَةِ الْأُبُوَّةِ لَا بِمُبَاشَرَتِهِ عَقْدَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ بَلَغَتْ كَانَ الْقَبْضُ إلَيْهَا دُونَ الْأَبِ فَكَانَ الْأَبُ فِي هَذَا الضَّمَانِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ، وَلَوْ ضَمِنَ الصَّدَاقَ لَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ وَقَبِلَ الْأَبُ ذَلِكَ كَانَ الضَّمَانُ صَحِيحًا، فَكَذَلِكَ إذَا ضَمِنَهُ الْأَبُ، فَإِذَا بَلَغَتْ إنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِالصَّدَاقِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَإِذَا أَدَّاهُ الْأَبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِنَ عَنْ الزَّوْجِ بِأَمْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى، فَإِنْ كَانَ هَذَا الضَّمَانُ فِي مَرَضِ الْأَبِ وَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إيصَالَ النَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ وَتَصَرُّفُ الْمَرِيضِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ إيصَالُ النَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ بَاطِلٌ
(قَالَ): وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِي صِحَّتِهِ وَضَمِنَ عَنْهُ الْمَهْرَ جَازَ يَعْنِي إذَا قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ الضَّمَانَ، ثُمَّ إذَا أَدَّى الْأَبُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَدَّى عَلَى الِابْنِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَوْ ضَمِنَ بِأَمْرِ الْأَبِ وَأَدَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الِابْنِ، فَكَذَلِكَ الْأَبُ إذَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّ قِيَامَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ كَانَ هُوَ الضَّامِنَ بِالْمَهْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَأَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِهِ، فَكَذَلِكَ الْأَبُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ الْآبَاءَ بِمِثْلِ هَذَا يَتَبَرَّعُونَ، وَفِي الرُّجُوعِ لَا يَطْمَعُونَ وَالثَّابِتُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ كَتَقْدِيمِ الْمَائِدَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِنْسَانِ يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْعُرْفِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: لَا تَأْكُلْ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا لَهُ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَإِنَّ عَادَةَ التَّبَرُّعِ فِي مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي حَقِّ الْأَوْصِيَاءِ بَلْ يُكْتَفَى مِنْ الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَطْمَعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إذَا ضَمِنَ وَأَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَهَذِهِ صِلَةٌ لَمْ تَتِمَّ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصِّلَةِ يَكُونُ بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَكِنَّهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الصَّدَاقَ مِنْ الزَّوْجِ، وَإِنْ شَاءَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا لَهَا فِي حَيَاةِ الْأَبِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَإِذَا اسْتَوْفَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ رَجَعَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَوْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَرْجِعُونَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْكَفَالَةِ انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute