للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَلَمْ يُخَاطِبْ عَنْهَا أَحَدًا فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ تُخَاطِبْ عَنْهُ أَحَدًا فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَلَوْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ يَجُوزُ.

أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَلَامُ الْوَاحِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ عَقْدًا تَامًّا بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَجَعَلَ هَذَا قِيَاسَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمَالٍ فَإِنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ فِيهِ لَمَّا كَانَ عَقْدًا تَامًّا عِنْدَ الْإِذْنِ كَانَ عَقْدًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: النِّكَاحُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ فَكَلَامُ الْوَاحِدِ فِيهِ يَكُونُ شَطْرَ الْعَقْدِ وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ أَصْلًا.

وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ: طَلَّقْت فُلَانَةَ بِكَذَا أَوْ أَعْتَقْت عَبْدِي فُلَانًا بِكَذَا يَكُونُ تَعْلِيقًا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُمَا بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ فَإِذَا بَلَغَهُمَا فَقَبِلَا وَقَعَ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَفِي النِّكَاحِ قَوْلُهُ: زَوَّجْت فُلَانَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ هَذَا شَطْرَ الْعَقْدِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ بِمَحْضَرٍ مِنْهَا: طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ لَمَا بَطَلَ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ مَا يَقْتَصِرُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت يَقْتَصِرُ عَلَى وُجُودِ الْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ عِبَارَتُهُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَ عِبَارَتِهِمَا فَإِنَّمَا يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُثَنَّى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُنَا لَا تَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَإِذَا بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ كَانَ شَطْرُ الْعَقْدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: تَزَوَّجْتُك، وَهِيَ حَاضِرَةٌ كَانَ هَذَا شَطْرَ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا بَعْدَ قِيَامِهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَكَذَا إذَا قَالَ ذَلِكَ، وَهِيَ غَائِبَةٌ يَكُونُ هَذَا شَطْرَ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ خَاطَبَ أَحَدُهُمَا عَنْ الرَّجُلِ وَالْآخَرُ عَنْ الْمَرْأَةِ فَبَلَغَهُمَا فَأَجَازَا جَازَ ذَلِكَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ كَانَ كَلَامُهُمَا عَقْدًا تَامًّا فَكَذَلِكَ إذَا كَانَا فُضُولِيَّيْنِ يَكُونُ كَلَامُهُمَا عَقْدًا مَوْقُوفًا

(قَالَ:) وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ وَكِيلًا حَقُّ قَبْضِ مَهْرِهَا بِدُونِ أَمْرِهَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُعَبِّرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَيْهِ قَبْضُ الْبَدَلِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>