بِالِاتِّفَاقِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَيْ: بِحُرْمَةِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَالْعِدَّةُ تَنْقَضِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ تَتَبَّعُوهَا وَضَرَبُوهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ تَقَعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إسْلَامُ أَبِي سُفْيَانَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا أَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَفَاعَةِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِكْرِمَةُ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إنَّمَا هَرَبَا إلَى السَّاحِلِ، وَكَانَتْ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ إنَّمَا تَمَيَّزَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَلَمْ يُوجَدْ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ يَوْمَئِذٍ فَلِهَذَا لَمْ يُجَدِّدْ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا إذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ.
فَعِنْدَنَا؛ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِلسَّبْيِ حَتَّى إذَا سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] مَعْنَاهُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لَكُمْ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «، وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى مِنْ الْفَيْءِ حَتَّى يَضَعْنَ، وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ»، وَإِنَّمَا سُبِيَ أَزْوَاجُهُنَّ مَعَهُنَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي، وَلِهَذَا لَا يَبْقَى الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَسْبِيِّ، وَإِنَّمَا يَصْفُو إذَا لَمْ يَبْقَ مِلْكُ النِّكَاحِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ مَا يَتَحَمَّلُ التَّمَلُّكَ وَمَحَلُّ النِّكَاحِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ فَيَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلسَّابِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَهُوَ لَيْسَ بِذِي حَقٍّ مُحْتَرَمٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَسْقُطُ بِهِ مَالِكِيَّتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَالِهِ.
وَلِهَذَا قُلْنَا: لَوْ كَانَتْ الْمَسْبِيَّةُ مَنْكُوحَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُحْتَرَمٌ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالسَّبْيِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْقِصَاصِ الدَّمُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُحْتَمِلٍ لِلتَّمَلُّكِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا لِمُحْتَرَمٍ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبْيَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَالًا فَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلنِّكَاحِ كَالشِّرَاءِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّمَلُّكُ بِالسَّبْيِ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْبُضْعِ مَقْصُودًا بِسَبَبِهِ يَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْوَلِيِّ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي السَّبْيِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ هُنَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ فَرَاغِ الْمَحَلِّ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ.
وَنَفْسُ السَّبْيِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلنِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَوْ كَانَ مُحْتَرَمًا لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ مَعَ تَقَرُّرِ السَّبْيِ، وَالْمُنَافِي إذَا تَقَرَّرَ فَالْمُحْتَرَمُ وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمِ فِيهِ سَوَاءٌ، كَمَا إذَا تَقَرَّرَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالرَّضَاعِ؛ وَلِأَنَّ السَّبْيَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute