للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُنَافِي الْبَقَاءَ أَوْلَى، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ عَلَى عَبْدٍ فَسُبِيَ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمَأْذُونِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حُرٍّ فَسُبِيَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ عَبْدًا، وَالدَّيْنُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى إلَّا شَاغِلًا لِلْمَالِيَّةِ، وَحِينَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْحُرِّ لَمْ يَكُنْ شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إذْ لَا مَالِيَّةَ فِي رَقَبَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بَعْدَ السَّبْيِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُحْتَرَمٍ لَا يَبْقَى كَذَلِكَ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ: أَنَّ السَّبْيَ يَقْتَضِي صَفَاءَ الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي، فَإِنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا بَقِيَ النِّكَاحُ، وَلَا صَفَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا سُبِيَ الزَّوْجُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَهُنَا الْمِلْكُ لَهُ لَا عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الْحَدِيثُ: فَالْمَرْوِيُّ أَنَّ الرِّجَالَ هَرَبُوا إلَى حُصُونِهِمْ، وَإِنَّمَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَحْدَهُنَّ، فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَالْآيَةُ دَلِيلُنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ انْقِطَاعُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى السَّابِي بِهَذَا النَّصِّ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا خَرَجَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ لَا إلَى عِدَّةٍ، فَإِنَّ بَقَاءَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا يُنَافِي أَصْلَ النِّكَاحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ يُنَافِي الْعِدَّةَ، فَلِهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الزَّوْجِ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا فَلَمْ تَتَبَايَنْ بِهِمْ الدَّارُ

(قَالَ:) حَرْبِيَّةٌ كِتَابِيَّةٌ دَخَلَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ ذَلِكَ، وَصَارَتْ ذِمِّيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِزَوْجِهَا فِي الْمُقَامِ، فَتَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ يَكُونُ رِضًى مِنْهَا بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ، وَصَيْرُورَتُهَا ذِمِّيَّةً تَكُونُ ضِمْنًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ هُنَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِنَا إذَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ يَتْبَعُ لِلْمَرْأَةِ فِي الْمُقَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَصِيرُ مُقِيمَةً بِإِقَامَةِ الزَّوْجِ، وَمُسَافِرَةً بِسَفَرِهِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا.

(قَالَ:) حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَنِكَاحُ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الْخَامِسَةِ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ: مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُخَيَّرُ فَيَخْتَارُ أَيَّ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ الْخَامِسَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أُخْتَانِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>