الْجَمْعِ بَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ.
فَإِنَّمَا حَصَلَ ذَلِكَ بِنِكَاحِ الْخَامِسَةِ، فَصَرْفُ الْفَسَادِ إلَيْهَا أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْجَمْعُ حَصَلَ بِهِنَّ جَمِيعًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْ بَانَتْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِسَبَبِ الْجَمْعِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْجَمْعِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَجِبَ الِاعْتِرَاضُ، وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ إذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ بَانَتْ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ رَضِيعَتَيْنِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا بَانَتَا مِنْهُ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا فَمَاتَتْ ثُمَّ أَرْضَعَتْ الْأُخْرَى لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ إرْضَاعِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا كَانَتْ الْأُولَى فِي نِكَاحِهِ تَحَقَّقَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ بَانَتْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْبِيَّاتِ، فَإِنَّ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ هُنَاكَ وَقَعَ صَحِيحًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَزَوَّجَهُنَّ كَانَ حُرًّا، وَلِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ ثُمَّ وَجَبَ الِاعْتِرَاضُ بِسَبَبِ الرِّقِّ الْحَادِثِ فِيهِ، وَعِنْدَ حُدُوثِ الرِّقِّ هُنَّ مُجْتَمِعَاتٌ مُسْتَوِيَاتٌ، فَلِهَذَا اسْتَوَى الْعَقْدُ الْوَاحِدُ، وَالْعُقُودُ الْمُتَفَرِّقَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّضِيعَتَيْنِ إذَا أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ بَانَتَا مِنْهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَجَبَ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ بالأختية الْعَارِضَةِ فِيهَا، وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي رُوِيَتْ فَقَدْ قَالَ مَكْحُولٌ: إنَّ تِلْكَ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ مَعْنَاهُ: قَبْلَ نُزُولِ حُرْمَةِ الْجَمْعِ فَوَقَعَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً مُطْلَقًا ثُمَّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ؛ لِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، أَوْ لَمَّا كَانَتْ الْأَنْكِحَةُ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَطَلِّقْ سَائِرَهُنَّ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ بِنْتٌ وَأُمٌّ فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ فَإِنْ كَانَ تَزْوِيجُهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ دُونَ الْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْأُخْرَى بِالْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حُرِّمَتْ بِعَقْدِ الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ حُرِّمَتْ بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْبِنْتِ دُونَ الْأُمِّ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْبِنْتَ دُونَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْبِنْتِ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِالْأُولَى فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى بِنْتًا فَسَدَ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ حُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute