للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِإِزَاءِ احْتِبَاسِهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ، وَمِثْلُ هَذَا يَحْتَمِلُ التَّعْجِيلَ، وَالتَّأْجِيلَ، وَلَكِنَّ النِّكَاحَ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُوجِبًا لِهَذَا الْمِلْكِ عَلَيْهَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِشَرْطِ التَّعْوِيضِ فَتَارَةً يُتَعَجَّلُ الْعِوَضُ بِالتَّسْمِيَةِ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ إلَى التَّأَكُّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ الْفَرْضِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْقَضَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ تَارَةً يَثْبُتُ بِعِوَضٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَتَارَةً بِشَرْطِ التَّعْوِيضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِنَفْسِ السَّبَبِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَنْتَصِفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَا كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ يَتَنَصَّفُ كَالْمُسَمَّى، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ هَذَا فَجَعَلَ يَرْدُدْهُ شَهْرًا، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ فِيهِ بِنَفْسِي فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، وَفِي رِوَايَةٍ فَمِنِّي، وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ مِثْلِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَوْ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو الْجَرَّاحِ صَاحِبُ الْأَشْجَعِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَقَالَ: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا: بِرْوَعُ بِنْتُ وَاشِقٍ الْأَشْجَعِيَّةُ بِمِثْلِ قَضِيَّتِك هَذِهِ فَسُرَّ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِذَلِكَ سُرُورًا لَمْ يُسَرَّ قَطُّ مِثْلَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ؛ لَمَّا وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: مَاذَا نَصْنَعُ بِقَوْلِ أَعْرَابِيٍّ بَوَّالٍ عَلَى عَقِبَيْهِ إنَّمَا رَدَّهُ؛ لِمَذْهَبٍ تَفَرَّدَ بِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفُ الرَّاوِيَ، وَلَمْ يَرَ هَذَا الرَّجُلَ حَتَّى يُحَلِّفَهُ، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِالْمَهْرِ فَإِذَا انْعَقَدَ صَحِيحًا كَانَ مُوجِبًا لِلْعِوَضِ كَالْبَيْعِ، وَكَمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ قَوْله تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] يَعْنِي تَبْتَغُوا مِلْكَ النِّكَاحِ عَلَى النِّسَاءِ بِالْمَالِ، وَحَرْفُ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَدَلَّ أَنَّ الْعِوَضَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْمَهْرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَرْضِ، وَالْفَرْضُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّقْدِيرِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالتَّقْدِيرِ تَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْأَصْلِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَجِبْ الْأَصْلُ بِالْعَقْدِ لَا تَثْبُتُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّقْدِيرِ، كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ بِالْعَقْدِ شَرْعًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ، وَبَيَّنَ خُصُوصِيَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا مُوجِبًا لِلْمَهْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَا نِكَاحَ إلَّا بِمَهْرٍ وَشُهُودٍ إلَّا مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَحْبِسُ نَفْسَهَا؛ لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ، وَلَا تَحْبِسُ الْمُبْدَلَ إلَّا بِبَدَلٍ وَاجِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>