للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا يَجِبُ.

وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، وَالدُّخُولُ تَصَرُّفٌ فِي الْمِلْكِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَجِبُ الْعِوَضُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِمَا يَقُولُ: إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِشَرْطِ التَّعْوِيضِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِمُعَاوَضَةِ الْمَالِ؛ إظْهَارًا لِخَطَرِ هَذَا الْمِلْكِ، وَهُنَا إظْهَارُ الْخَطَرِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا وَجَبَ الْبَدَلُ بِنَفْسِ الْمِلْكِ، فَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأَخُّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْبَدَلِ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ قُصِرَ عَنْهُ حُكْمُ هَذَا الْخِطَابِ، وَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَمَا بَيَّنَّا.

وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ مُسْقِطًا لِلْعِوَضِ، وَسُقُوطُ الْعِوَضِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسْقِطِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالْعَقْدِ، وَتَنَصُّفُ الْمُسَمَّى بِالطَّلَاقِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسَمَّى تَأَكَّدَ بِالتَّسْمِيَةِ، وَالْعَقْدِ جَمِيعًا فَلِتَأَكُّدِهِ لَا يَسْقُطُ كُلُّهُ لَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا بِالْمَوْتِ، وَالنَّفَقَةُ ضَعِيفَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَلَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَتَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ، وَالْمَوْتِ جَمِيعًا وَمَهْرُ الْمِثْلِ ضَعِيفٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، وَقَوِيٌّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَلِقُوَّتِهِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلِضَعْفِهِ مِنْ وَجْهٍ يَسْقُطُ كُلُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: نِسَاؤُهَا اللَّاتِي يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِمُهُورِهِنَّ عَشِيرَتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا، وَبَنَاتِ عَمَّاتِهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أُمُّهَا وَقَوْمُ أُمِّهَا كَالْخَالَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ قِيمَةُ بُضْعِ النِّسَاءِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ قَرَابَتُهَا مِنْ النِّسَاءِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ جِنْسِهِ، وَالْإِنْسَانُ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أُمِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَكُونُ أَمَةً، وَالْبِنْتُ تَكُونُ قُرَشِيَّةً تَبَعًا لِأَبِيهَا فَلِهَذَا اُعْتُبِرَ عَشِيرَتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِمَهْرِ أُمِّهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ كَانَتْ بِنْتَ عَمِّهِ، فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا لَا؛ لِأَنَّهَا أُمُّهَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ عَمِّ أَبِيهَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ عَشِيرَتِهَا امْرَأَةٌ هِيَ مِثْلُهَا فِي الْحُسْنِ، وَالْجَمَالِ وَالسِّنِّ، وَالْمَالِ وَالْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا» الْحَدِيثَ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ بَلْدَتِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِمَهْرِ عَشِيرَتِهَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ عَادَةً.

وَفِي الْحَاصِلِ مَهْرُ الْمِثْلِ قِيمَةُ الْبُضْعِ، وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى نَظِيرِهِ بِصِفَتِهِ قَالَ: فَإِنْ فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الْعَقْدِ مَهْرًا فَرَضِيَتْ بِهِ أَوْ رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي فَفَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ سَوَاءٌ، وَلَهَا ذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>