بِهَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا وَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَهَا الْمُتْعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْعَقْدِ يُقَدَّرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّ تَنَصُّفَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ بِالطَّلَاقِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ اسْتَنَدَ حُكْمُهُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ لَا يَصِيرُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ زَادَهَا فِي الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ: تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَصْلُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ مِثْلُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: ٢٤] أَيْ: مِنْ فَرِيضَةٍ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ: لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ إلَّا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] أَيْ: سَمَّيْتُمْ فِي الْعَقْدِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ تَسْقُطُ كُلُّهَا بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ:) وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْمَهْرِ فَقَالَ الزَّوْجُ: أَلْفٌ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: أَلْفَانِ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يُحَكَّمُ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ جِدًّا، وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي بَدَلِ عَقْدٍ لَا يَتَحَمَّلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ لِلزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ بِمَالٍ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَصِيرِ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ، وَهُنَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْمُسَمَّى، وَذَلِكَ مَانِعُ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ لِفَسْخِ الْعَقْدِ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَتَحَمَّلُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْفَسْخِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ مَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ، وَلَا يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ فَكَذَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مُوجِبُ نِكَاحٍ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الشَّرْعِ مُوجِبٌ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْهُ إلَّا بِتَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسَمَّى يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ كَالصَّبَّاغِ وَرَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ قِيمَةِ الصِّبْغِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصَّارِ وَرَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِعَمَلِ الْقَصَّارِ مُوجِبٌ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ ثُمَّ النِّكَاحُ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَبِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَيُسْتَحَقُّ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسَلُّمُ فَيُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ يَجِبُ التَّحَالُفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute