للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَ الْحَيِّ وَوَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَهُوَ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ.

فَأَمَّا إذَا مَاتَا مَعًا فَهُنَا فَصْلَانِ.

(أَحَدُهُمَا): أَنْ يَتَّفِقَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ.

(وَالثَّانِي): أَنْ يَخْتَلِفَ الْوَرَثَةُ فِي الْمُسَمَّى.

أَمَّا فِي الْأَوَّلِ: فَإِنَّهُ يُقْضَى لِوَرَثَتِهَا فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْمُسَمَّى فَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْمُسَمَّى بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَكَذَلِكَ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى وَرَثَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَهْرَ أُمِّ كُلْثُومٍ أَكُنْت تَقْضِي فِيهِ بِشَيْءٍ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَفُوتُ هَذَا بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَإِذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ، وَانْقَرَضَ أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْوُقُوفُ عَلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَهْدُ مُتَقَادِمًا يُقْضَى بِمَهْرِ مِثْلِهَا.

وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ: أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنِّكَاحِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْمُسَمَّى، وَهُوَ الْأَقْوَى، وَالنَّفَقَةُ وَهِيَ الْأَضْعَفُ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ مُتَوَسِّطٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَا، فَالْمُسَمَّى لِقُوَّتِهِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَالنَّفَقَةُ لِضَعْفِهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اخْتَلَفُوا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هَلْ يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا.

فَأَمَّا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا فَيَكُونُ هَذَا كَالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ جِدًّا، كَمَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَيَاتِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ وَتَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَيَبْقَى ظَاهِرُ الدَّعْوَى، وَالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَةِ الزَّوْجِ، إلَّا أَنْ يَقُومَ لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ الْمُسَمَّى فَحِينَئِذٍ يُقْضَى بِذَلِكَ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا كُلِّهِ إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ إنَّمَا يُفَارِقُ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ.

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ فَلَهَا مِنْ ذَلِكَ خَادِمٌ وَسَطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>