وَبَيْتٌ وَسَطٌ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ تَسْمِيَةَ الْخَادِمِ فِي النِّكَاحِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ أَوْ عَلَى أَمَةٍ فَلَهَا عَبْدٌ وَسَطٌ أَوْ أَمَةٌ وَسَطٌ، فَإِنْ أَتَاهَا بِالْعَيْنِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَكُونُ قِيَاسُ الْبَيْعِ، وَالْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِوَضًا فَكَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ، وَهَذَا أَصْلٌ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ مُسَمًّى عِوَضًا فِي الْبَيْعِ لَا يُسْتَحَقُّ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُسَمَّى مَهْرًا الْمَالِيَّةُ، وَبِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الْجِنْسِ بِدُونِ بَيَانِ الْوَصْفِ لَا تَصِيرُ الْمَالِيَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ، وَالْغَرَرِ فِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَمَّى ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَكَذَلِكَ إذَا سَمَّى عَبْدًا، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِي مُبَادَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي الدِّيَةِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَوْجَبَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَيَوَانُ مُطْلَقًا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ شَرْعًا، فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ شَرْطًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ هَذَا مَالٌ مُلْتَزَمٌ ابْتِدَاءً، وَالْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ فِي الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِعَبْدٍ صَحَّ إقْرَارُهُ إلَّا أَنَّهُ هُنَاكَ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ عَيْنُهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ.
وَهُنَا عَيْنُ الْمَهْرِ عِوَضٌ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ هَذَا الْتِزَامٌ مُبْتَدَأٌ، فَلِكَوْنِهِ عِوَضًا صَرَفْنَاهُ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّسْمِيَةِ إلَى الْوَسَطِ؛ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ فِي الزَّكَوَاتِ الْوَسَطَ نَظَرًا إلَى الْفُقَرَاءِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَبِكَوْنِهِ مَالًا يُلْتَزَمُ ابْتِدَاءً لَا تَمْنَعُ جَهَالَةُ الصِّفَةِ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ، وَلِهَذَا لَوْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالْعَيْنِ، وَلِلِاعْتِبَارِ بِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ الدِّيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ احْتَجْنَا إلَى إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ بِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ فِي الْمُسَمَّى إذَا كَانَتْ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْجَهَالَةِ يَرْتَفِعُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ هِيَ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فَوْقَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَعْلَامِ فَجَهَالَةُ الْعَبْدِ الْمُسَمَّى جَهَالَةُ الصِّفَةِ دُونَ الْجِنْسِ فَأَمَّا جَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ فَصَحَّحْنَا فِيهِ التَّسْمِيَةَ؛ لِيَحْصُلَ بِهَا التَّحَرُّزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute