للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ بَعْضِ الْجَهَالَةِ.

فَأَمَّا جَهَالَةُ الثَّوْبِ فَوْقَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً مِنْ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسِمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، وَكَذَلِكَ جَهَالَةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَالْمَحَالِّ وَالضِّيقِ، وَالسَّعَةِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا، فَكَانَتْ تِلْكَ الْجَهَالَةُ فَوْقَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُصَحِّحْ التَّسْمِيَةَ مَعَ جَهَالَةِ الْوَصْفِ هُنَاكَ لَا نَحْتَاجُ إلَى إيجَابِ جَهَالَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَيَعُودُ إلَيْهِ عِوَضُهُ، وَهُوَ مَعْلُومٌ.

فَأَمَّا إذَا سَمَّى فِي الْمَهْرِ بَيْتًا فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ عَادَةً دُونَ الْبَيْتِ الْمُسَمَّى، وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِالْعِرَاقِ يَتَزَوَّجُ عَلَى بَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ فَيُرِيدُونَ مَتَاعَ الْبَيْتِ مِمَّا تُجَهَّزُ بِهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ عَلَى مَا قُلْنَا ثُمَّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قِيمَةُ الْبَيْتِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَقِيمَةُ الْخَادِمِ أَرْبَعُونَ دِينَارًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ عَلَى قَدْرِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَصَرَ فَتْوَاهُ عَلَى مَا شَاهَدَهُ فِي زَمَانِهِ، وَهُمَا زَادَا عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَّنَّا الْفَتْوَى فِي الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، وَالْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَا فَإِنَّ الْقِيَمَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ.

(قَالَ:) وَالْوَسَطُ مِنْ الْخَادِمِ السِّنْدِيِّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ أَرْفَعَ الْخَدَمِ الْأَتْرَاكُ، وَأَدْنَى الْخَدَمِ الْهُنُودُ فَالسِّنْدِيُّ هُوَ الْوَسَطُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ فِي بِلَادِنَا قَلَّمَا يُوجَدُ السِّنْدِيُّ فَالْوَسَطُ أَدْنَى الْأَتْرَاكِ وَأَعْلَى الْهُنُودِ.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى وَصِيفٍ أَبْيَضَ فَلَهَا خَمْسُونَ دِينَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهَذَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَةِ الْوَسَطِ وَالْجَيِّدِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَلَكِنْ فِي زَمَانِهِ كَانَ هَذَا التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلِهَذَا قَدَّرَهُ بِهِ، وَإِنْ أَعْطَاهَا وَصِيفًا أَبْيَضَ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَفَّى لَهَا بِمَا شَرَطَ، وَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ أَدَاءَ الْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ أَدَاءَ الْعَيْنِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْقِيمَةِ.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ فَلَهَا بَيْتٌ مِنْ شَعْرٍ مِنْ بُيُوتِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَادِمٍ فَلَهَا خَادِمٌ وَسَطٌ مِمَّا يُعْرَفُ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّسْمِيَةِ الْعُرْفُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِلْعُرْفِ فَهُنَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ أَيْضًا، وَالْمُتَعَارَفُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَيْتِ مُطْلَقًا فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْبَيْتُ مِنْ الشَّعْرِ، وَفِي مَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَصَرَفْنَا التَّسْمِيَةَ إلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ.

(قَالَ:) وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تَرَهُ فَلَيْسَ لَهَا فِي ذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>