للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ثُبُوتَ صِفَةِ اللُّزُومِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْعَقْدِ، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ فَكَذَلِكَ فِي عِوَضِهِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنْ يُتَمَكَّنَّ بِهِ مِنْ إعَادَةِ الْعِوَضِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْبَيْعِ يَحْصُلُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالرَّدِّ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمُسَمَّى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ، وَالْقِيمَةُ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ كَالْعَيْنِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ فَائِدَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا تَرُدُّ الصَّدَاقَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: كُلُّ عَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ يُرَدُّ بِهِ فِي الصَّدَاقِ.

وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَنَّ عِنْدَهُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَنَا لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَلَكِنْ تَجِبُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا لَا تُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ فَائِدَةٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَيْنِ الشَّيْءِ، وَبِهِ عَيْبٌ يَسِيرٌ، وَبَيْنَ قِيمَتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ فَاحِشًا فَتُسْتَدْرَكُ بِالرَّدِّ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ، أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يُنْقِصُ مِنْ الْمَالِيَّةِ مِقْدَارَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْأَسْوَاقِ فَهُوَ عَيْبٌ فَاحِشٌ، وَإِذَا كَانَ يُنْقِصُ بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ بَيْنَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فَهُوَ عَيْبٌ يَسِيرٌ، وَحُجَّتُهُ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ أَنَّ الصَّدَاقَ مَالٌ مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، وَهُوَ مِمَّا يَنْفَصِلُ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ فَتَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ بِالرَّدِّ كَالْبَيْعِ، وَلَكِنْ بُطْلَانُ التَّسْمِيَةِ فِي النِّكَاحِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ كَانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْمُسَمَّى هُوَ الْعَقْدُ، فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ، وَلَكِنْ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ كَمَا الْتَزَمَ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَالْمَغْصُوبِ إذَا أَبِقَ.

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا هَلَكَ الصَّدَاقُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عِنْدَنَا لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ كَمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَقُولُ: لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ بِالْهَلَاكِ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ تَجِبُ قِيمَةُ الْمُسَمَّى؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ فَأَمَّا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَكُونُ إلَّا لِرَفْعِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَتَبْطُلُ بِهِ التَّسْمِيَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى بِعَيْنِهِ لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ كَوْنُ الْمُسَمَّى مَالًا، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ لَا تَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ، وَلَكِنْ يَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَجَرَ الصَّدَاقَ فَالْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ كَالْمَغْصُوبِ، وَالْغَاصِبُ إذَا أَجَرَ الْمَغْصُوبَ فَالْأَجْرُ لَهُ، وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>