الْمُكْتَسِبُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَمَنْ يَخْلُفُهُ، وَهُوَ مَوْلَاهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ؛ لِوَصْلَةِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الِاكْتِسَابِ، ثُمَّ بِبُطْلَانِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَلَيْسَ الْكَسْبُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَكُونُ مُكَاتَبًا، وَكَسْبَهَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَبِيعًا يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَكَسْبُ الْمَبِيعِ لَا يَكُونُ مَبِيعًا فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَبَضَ مَعَ الْأَصْلِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ.
لِأَنَّ حُكْمَ التَّنَصُّفِ عِنْدَ الطَّلَاقِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ حِينَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ حَادِثَةً قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِقَبْضِهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ ثُمَّ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، فَهُوَ سَالِمٌ لَهَا وَرَدَّتْ نِصْفَ الْأَصْلِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْكَسْبِ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهَا وَيَدِهَا فَيَكُونُ سَالِمًا لَهَا، وَإِنْ لَزِمَهَا رَدُّ الْأَصْلِ أَوْ بَعْضُهُ كَالْمَبِيعِ إذَا اُكْتُسِبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ يَبْقَى الْكَسْبُ سَالِمًا لَهُ؛ وَهَذَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»، وَقَدْ كَانَ الصَّدَاقُ فِي ضَمَانِهَا فَمَنْفَعَتُهُ تُسَلَّمُ لَهَا، وَالْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ؛ يَمْنَعُ تَنَصُّفَ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ وَعَوْدَ الْكُلِّ إلَيْهِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَلَكِنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ أَوْ جَمِيعُ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَ إلَيْهَا، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ بِالطَّلَاقِ، وَيَعُودُ الْكُلُّ إلَى الزَّوْجِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهَا لَا يَتَأَكَّدُ مِلْكُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، بَلْ تَوَهُّمُ عَوْدِ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْكُلِّ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا ثَابِتٌ فَيَسْرِي ذَلِكَ الْحَقُّ إلَى الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، وَازْدَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً فَإِنَّ الْبَائِعَ يَسْتَرِدُّهَا بِزِيَادَتِهَا وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: فِي الطَّلَاقِ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ رِدَّتِهَا يَسْتَرِدُّ مِنْهَا الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَفْسَخُ السَّبَبَ مَعَ الْأَصْلِ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِحُكْمِ انْفِسَاخِ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِسَبَبِ فَسَادِ الْبَيْعِ، وَهُنَا كَحُكْمِ الرَّدِّ يَثْبُتُ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ حَلُّ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ بِفَسْخٍ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يُثْبِتُ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الزِّيَادَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا فِي يَدِهِ.
وَيَتَعَذَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute