تَعَالَى، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ فَإِنْ أَتَاهَا بِالثَّوْبِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ لَا تَثْبُتُ عَيْنُهُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا وَزُفَرُ يَقُولُ: الثَّوْبُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفًا ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا صَحَّتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَالثَّوْبُ فِي ذَلِكَ وَقِيمَتُهُ سَوَاءٌ، وَإِنْ بَيَّنَ صِفَةَ هَذَا الثَّوْبِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ إذَا أَتَاهَا بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا إلَّا مُؤَجَّلًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا، وَالسَّلَمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَعِنْدَ ذِكْرِ الْأَجَلِ يَثْبُتُ الثَّوْبُ دَيْنًا ثُبُوتًا صَحِيحًا، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْأَجَلِ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذِكْرِ وَصْفِهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ.
وَاشْتِرَاطُ الْأَجَلِ هُنَاكَ مِنْ حُكْمِ السَّلَمِ لَا مِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ الثِّيَابِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَسْتَوِي فِي هَذَا إنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِثِيَابٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ سَلَمًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا ثُبُوتًا صَحِيحًا إلَّا مُؤَجَّلًا.
(قَالَ:) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَإِنْ سَمَّى جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ وَمِقْدَارَهُ؛ لَمْ تُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ إذَا أَتَاهَا بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَوْصُوفًا ثُبُوتًا صَحِيحًا حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا بِدَلِيلِ جَوَازِ اسْتِقْرَاضِهَا، وَالسَّلَمِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّفَةَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا بِتَسْمِيَةِ الْجِنْسِ بِدُونِ الصِّفَةِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ مَتَى صَحَّتْ بِذِكْرِ الْجِنْسِ تَعَيَّنَ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ فَمَا تَعَيَّنَ مِنْ الْوَصْفِ شَرْعًا يَكُونُ كَالْمَذْكُورِ نَصًّا فَلَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ.
(قَالَ:) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا مَا سَمَّى، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ يَصْلُحُ صَدَاقًا فِي النِّكَاحِ، وَعِنْدَنَا أَدْنَى الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ مِمَّا تَكُونُ الْفِضَّةُ فِيهِ غَالِبَةً عَلَى الْغِشِّ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَهْرُ جَائِزٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ «الْمَهْرُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ»، وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ»، وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute