للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَهْنًا بِصَدَاقِهَا، وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الصَّدَاقِ فَهَلَكَ عِنْدَهَا فَهُوَ كَمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الصَّدَاقِ يُسْتَوْفَى كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَالرَّهْنُ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ وَيَتِمُّ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ» فَصَارَتْ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيَةً لِصَدَاقِهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَوْفَتْ حَقِيقَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ضَمَّنَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ كَمَا لَوْ كَانَتْ اسْتَوْفَتْ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ هَلَاكُ الرَّهْنِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ نِصْفُ الصَّدَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ غَرِمَهُ الزَّوْجُ، وَلَوْ سَقَطَ الْكُلُّ بِإِبْرَائِهَا خَرَجَ الرَّهْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي الْكُلِّ، فَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ النِّصْفُ فَإِنَّمَا يَبْقَى ضَمَانُ الرَّهْنِ بِمَا بَقِيَ، وَعِنْدَ هَلَاكِهِ إنَّمَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِمَا بَقِيَ فَلِهَذَا لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ كَانَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَاجِبًا هُنَاكَ فَصَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلْكُلِّ فَلِهَذَا لَزِمَهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ الطَّلَاقِ.

(قَالَ:) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ وَرَهَنَ عِنْدَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنًا صَحَّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا وَاجِبَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ، وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُتْعَةِ هُنَا كَنِصْفِ الْمُسَمَّى هُنَاكَ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا أَنْ تَحْبِسَ الرَّهْنَ بِالْمُتْعَةِ لِوَجْهَيْنِ.

(أَحَدُهُمَا): أَنَّ الْمُتْعَةَ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ مَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَاقِ جُزْءٌ مِمَّا كَانَ فِيهِ، فَكَذَا فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُسْقِطٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْضُ مَا كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ.

(وَالثَّانِي): أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ سُقُوطِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْأَصْلِ، وَالْخَلَفِ، ثُمَّ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِمَا هُوَ خَلَفٌ عَنْهُ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِقِيمَتِهَا، وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْمُتْعَةَ دَيْنٌ حَادِثٌ سِوَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمَحْبُوسُ بِدَيْنٍ لَا يَكُونُ مَحْبُوسًا بِدَيْنٍ آخَرَ سِوَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ ثِيَابٌ وَمَهْرُ الْمِثْلِ مِنْ النُّقُودِ؛ وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ بُضْعِهَا، وَالْمُتْعَةُ تَذْكِرَةٌ لَهَا، وَلَا يَلْتَقِيَانِ بِحَالٍ فَإِنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَالْمُتْعَةُ تَجِبُ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>