للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يُوجِبُ تَبْدِيلَ الْجِنْسِ، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ إمَّا بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْهَيْئَةِ أَوْ الْمَقْصُودِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ بَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ، فَإِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَهُوَ الْحُرُّ دُونَ الْمُسَمَّى، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَعَلَى هَذِهِ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ.

فَأَمَّا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْخَمْرِ، وَالْخَلِّ قَالَ: هُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَلِكَ الْخَلُّ فَقَطْ لَا يَصِيرُ فِي مِثْلِ حَالِ الْخَمْرِ، وَالْخَمْرُ اسْمٌ لِعَيْنٍ حَرَامٍ، وَالْخَلُّ اسْمٌ لِمَطْعُومٍ حَلَالٍ فَكَانَا جِنْسَيْنِ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَالْمُسَمَّى هُوَ الْخَلُّ فَلِهَذَا كَانَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْخَلُّ وَالْخَمْرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ الْأَصْلَ وَاحِدٌ، وَالْهَيْئَةُ وَاحِدَةٌ، وَهَذِهِ أَوْصَافٌ تَتَعَرَّضُ عَلَى الْعَيْنِ فَلَا تُوجِبُ تَبْدِيلَ الْجِنْسِ كَالصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ فِي الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْحَلَاوَةَ فِي الْعَصِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْحَلَاوَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الصِّغَرِ، ثُمَّ الشِّدَّةُ فِي الْخَمْرِ بِمَنْزِلَةِ الْحِدَةِ، وَالْقُوَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الشَّبَابِ، ثُمَّ الْحُمُوضَةُ فِي الْخَلِّ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الشَّيْخُوخَةِ فَكَمَا أَنَّ بِتَبَدُّلِ الْأَحْوَالِ لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُ الْآدَمِيِّ، فَكَذَلِكَ بِتَبَدُّلِ الْأَحْوَالِ فِي الْعَصِيرِ، فَإِذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ فَلِهَذَا كَانَ لَهَا مِثْلُهَا.

(قَالَ:) فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَمَةٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهَا فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَلَدِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الْوَلَدِ شَيْئًا، وَلَا يَكُونُ حَالُهُ أَعْلَى مِنْ حَالِ وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَكِنْ لَهَا الْأَمَةُ إنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إنْ كَانَ نُقْصَانُ الْوِلَادَةِ يَسِيرًا كَمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ فِي يَدِ الزَّوْجِ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ سِوَى نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْجَارِيَةَ، وَلَا يَضْمَنُ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ النُّقْصَانِ، وَإِنْ شَاءَتْ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَزَوَّجَهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ كَالْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ، وَقَدْ كَانَ الْوَلَدُ جَابِرًا لِذَلِكَ النُّقْصَانِ.

فَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ ظَهَرَ النُّقْصَانُ؛ لِانْعِدَامِ مَا يَجْبُرُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَتَلَ الْوَلَدَ ضَمِنَ لَهَا قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهُ بِالْإِتْلَافِ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْوَلَدِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْوَلَدِ، فَيَكُونُ جَابِرًا لِلنُّقْصَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَفَاءٌ فَعَلَيْهِ تَمَامُ ذَلِكَ بِهِ أَجَابَ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَقَدْ بَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْوَلَدِ مِنْ قَدْرِ النُّقْصَانِ، وَلَكِنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا فَلَهَا الْخِيَارُ كَمَا بَيَّنَّا.

(قَالَ:) وَإِذَا أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>