للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أوقع معنًى في الباب، ما قاله أهل اللباب- زائدًا على ما قدَّمناه في الباب-: إن الزاهد لا يستقيم إلَّا بأن لا يحرص ولا يفرح ولا يتمتع بجاه الدنيا؛ فإن الجاه مِلْكُ القلوب، والقلوبُ أشرف من الأموال، فالجاهُ أشرف معاني الغنى (١) وأفتنُها.

واستقامةُ المُتَعَبِّدِ بأن يَفِرَّ عن الرياء إِنْ فَعَلَ، ويجتنب الفترة إذا هَمَّ أن يترك.

واستقامةُ العَالِم أن لا يختلف قولُه وفِعْلُه، ولا يخلط عِلْمَه بالتوحيد بعِلْمِه (٢) بأحكام الدنيا، بل يَفِرُّ عنها كما فعل مالك ، وقد صُودِرَ على أن يَحْكُمَ ويُفْتِي ويُصْحَبَ فتفادى من الكلِّ، وأراد الخُمول فأظهره الله وقدَّمه، وقد رُوِيَ: "أنه وجَّه المهديُّ إليه لمَّا قَدِمَ المدينة بثلاثة آلاف دينار، ثم مضى وحجَّ، فلمَّا قَفَلَ وجَّه إليه الرَّبِيعَ وقال: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول لك: تُعَادِلُه إلى مدينة السَّلَام، فقال له: أقرئه السلام، وقل له: قال النبي : "والمدينة خَيْرٌ لهم لو كانوا يعلمون" (٣)، والمالُ عندي على حاله" (٤).

ومع الإحسان- كما قُلْنَا- يكونُ الإخلاص، وهُوَ هُوَ، ولكنَّه يتخصَّص عن جميع ما تقدَّم بأنه مَعْنًى يوجدُ بالقلب، ويحصلُ في الباطن؛ فتظهرُ آثاره وهو كامن.


(١) في (س): المعنى.
(٢) في (س): علمه.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج، باب فضل المدينة، رقم: (١٣٣٦ - عبد الباقي).
(٤) الانتقاء لابن عبد البر: (ص ٨٤)، وترتيب المدارك: (٢/ ١٠٠).