للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلامةُ دِينٍ، ثم جَذَبَتْنِي صِلَةُ الرحم، فَقَطَعَتْنِي عن الله مقادير (١) سماوية، فَاعْجَبْ -فَدَيْتُكَ- من قَطْع بوَصْلِ، ومن أَجْرٍ بذَنْبٍ، ومن إِعْرَاضِ بإِقْبَالٍ، وذلك بضَرْبٍ من العَجْزِ والتقصير، وغَلَبَةِ حُبِّ الدنيا على القلب، ومسامحة في استدراج، وإلَّا فما أَسْهَلَ الجَمْعَ بين معاقد التقوى، وأَقْرَبَ التَّحْصِيلَ لوجوه الخلاص، ولكن بحَذْفِ العلائق وقَطْع الشهوات، وذلك يَعْسُرُ مع الإقبال عليها، ويَسْهُلُ مع التوفيق للإعراض عنها، ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٤].

ولقد قال لي شيخي (٢) في العبادة: "لا يَذْهَبْ لك الزمان في مصاولة الأقران ومواصلة الإخوان".

ولم أَرَ للخلاص شيئًا أَقْرَبَ من طريقين:

إمَّا أن يُغلق المرء على نفسه باب بيته.

وإمَّا أن يَخْرُجَ إلى مَوْضعٍ لا يُعرف فيه.

فإن اضطُرَّ أَحَدٌ إلى مخالطة الناس فليكن معهم ببدنه، وليفارقهم بقلبه ولسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ولا يفارقُ السكوت.

أنشدني محمد بن عبد الملك الصُّوفِي (٣) قال: أنشدني أبو الفضل الجَوْهَرِي:


(١) في (س) و (ف): بمقادير.
(٢) لعله الفقيه أبو بكر الطُّرطوشي تـ ٥٢٠ هـ، تقدَّم التعريف به في السِّفر الأوَّل.
(٣) هو محمد بن عبد الملك التِّنِّيسِي، لقيه ابنُ العربي بمدينة بغداد، ولم أهتد إلى ترجمته بعد طول بحث، ويُكْثِرُ ابنُ العربي عنه رواية نوادر أبي الفضل الجوهري، ينظر: المطرب لابن دحية: (ص ٢١٤)، ورحلة ابن رُشَيد: (٥/ ١٣٩)، ونفح الطيب: (٢/ ٤٢).