للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥]، أي: يَعْلَمُ غَيْبَكم ويَطَّلِعُ على سرائركم (١)، ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٥].

وقد قال: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨].

المعنى: "تَسْلِيمُ الأقدار والأفعال لله بالتَّبَرِّي عن الحَوْلِ والقُوَّةِ، وأنَّ أَمْرَه كُلَّه لله، وتصرفَه بأجمعه بطَوْلِ رَبِّه، ولذلك تختلف عليه الأحوالُ بغير مراده؛ ما بين يُسْر وعُسْرٍ، وذِكْرَى ونسيان، ولو كان الأَمْرُ بمُرَادِي ولم يَكُنْ بِيَدِ غَيْرِي لتشابهت أحوالي، وتناسقت (٢) أعمالي" (٣)، فهذا شأن البشرية فاعلموه.

وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأعراف: ١٨٩].

أي: "ذات واحدة، وموجود واحد، وأخلاقكم مختلفة، وهِمَمُكم متباينة، وصوركم متفاوتة، ومنازلكم متغايرة، وأطواركم متعاقبة، ومقاصدكم شتَّى متنافرة" (٤).

ألا ترى إلى (٥) النطفة وهي ذاتٌ واحدةٌ؛ كيف تَشَكَّلَتْ بأشكال، وتعاقبت عليها أحوال، فبعضُها لَحْمٌ، وبعضها عَصَبٌ، وبعضُها شَعَرٌ، وبعضها ظُفْرٌ، وبعضها عِرْقٌ، وبعضها جِلْدٌ، وبعضها مُخٌّ، وبعضها صُلْبٌ،


(١) في (س): سرائكم، وهو سبق قلم.
(٢) في (د): تناسبت.
(٣) لطائف الإشارات للقُشَيري: (١/ ٥٩٤).
(٤) ينظر: لطائف الإشارات: (١/ ٥٩٤ - ٥٩٥).
(٥) في (س) و (ف): أن.