للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَقَصَ شَرْطٌ من شروطها لكانت ناقضةً (١)، فكيف إذا ذهب روحها؟ ولو أن عَبْدَكَ يَخْدُمُكَ وقلبُه مع غيرك لاستحق عندك العقوبة، أَوْ لاسْتَوْجَبَ الخَيْبَةَ.

وقد دعاك ربُّك إلى استغراق أوقاتك في عباداته (٢) فقال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ١١٤]، فإن إِخْلَاءَ لَحْظَةٍ من الزمان دون خِدْمَةٍ حَسْرَةٌ ونِقْمَةٌ.

وأنتَ- أيُّها العبدُ- تستكثر أو تستعظم أن تسجد أو تُمْضِي أوقاتَك كلَّها معمورة بالسجود له، وله ﴿يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [الرعد: ١٥]، وأَنْتَ إذا سجدت طَوْعًا فقد حُزْتَ المرتبة العليا، والذي يسجدُ كَرْهًا عند حلول البلاء به خاصَّةً هو الكافر.

فأنتَ تَجَنَّبْ أن تسجد تَقِيَّةً لشيء، أو اجتلابًا لشيء، وإنَّما تكون طاعةَّ وَقُرْبَةً، ويكون سجودُك بقلبك قبل جِسْمِك، وبقَصْدِك قبل وجهك، وذلك بعد تَحَقُّقِكَ أنه هو (٣) الذي يَخْلُقُ سجودك وركوعك، وقَصْدَكَ ونِيَّتَكَ، وجميع أحوالك وصفاتك، فهذه عَقِيدَةُ الأَبِ الأكرم، وخَيْرِ البَرِيَّةِ المُعَظَّمِ، إِبْرَاهِيمَ المُقَدَّمِ، حيث قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ [إبراهيم: ٤٢]، فسأله أن يَخْلُقَ له أفعال الصلاة، إذ الجَعْلُ: الخَلْقُ، وهو سبحانه خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، والأعمال التي تَقُومُ بأبدان العباد منها، وهذا دَلِيلٌ عظيمٌ (٤) في الردِّ على القَدَرِيَّةِ في دعواهم أن الله لا يَخْلُقُ أعمال


(١) في (ص) و (س) و (ف): ناقصة.
(٢) في (ص): عباداتك، وفي (س) و (ف): عبادتك.
(٣) سقط من (د) و (ص).
(٤) سقط من (س) و (ز).