للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْتَظِرُهما (١) حتى طلع الفجرُ، فإن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك من خشيتك ففَرِّجْ عنَّا، فانساخت عنهم الصخرةُ (٢) حتى نظروا إلى السماء، ولا يستطيعون الخروج، فقال الآخَر: اللَّهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة (٣) عَمٍّ من أَحَبِّ الناس إليَّ، وإني رَاوَدْتُها عن نفسها، فقالت: لا، إلا أن آتِيهَا بمائة دينار، فطلبتُها حتى قَدَرْتُ عليها، فأتيتُها بها فدَفَعْتُها إليها، فأَمْكَنَتْنِي من نفسها، فلمَّا قَعَدْتُ بين رِجْلَيْهَا قالت: اتق الله، ولا تَفُضَّ الخاتم إلَّا بحقه، فقُمْتُ وترَكْتُ المائة دينار، فإن كُنْتَ تَعْلَمُ أني فَعَلْتُ ذلك من خشيتك ففَرِّجْ عنَّا، فَفَرَّجَ الله عنهم وخَرَجُوا" (٤).

فهؤلاء قَوْمٌ دَعَوا وتَوَسَّلُوا.

وحَقِيقَةُ الاضطرار: أن تَنْزِلَ الشِّدَّةُ ولا تكونُ وَسِيلَةٌ إلَّا الإقرار له بالربوبية، وإن كانت وقعت المخالفات.

وإني لأَعْجَبُ من قَلْبٍ غَافِلٍ تَفَطَّنَ لهذه الحقيقة فقال (٥):

إن كان لا يَدْعُوكَ إلَّا مُحْسِنٌ … فمن ذا الذي يَدْعُو ويَرْجُو (٦) المُجْرِمُ


(١) في (س) و (ف): أَنْظُرُهما.
(٢) في (س) و (ف): الصخرة عنهم.
(٣) في (د): بنت.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء، حديث الغار، رقم: (٣٤٦٥ - طوق).
(٥) هذا البيت والذي بعده من الكامل، وهما لأبي نواس في ديوانه: (ص ٦١٨).
(٦) في (د): فمن الذي يرجو المسيئ المجرم، وفي (ص): فمن ذا الذي يدعو إليه المجرم.