للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَظيِمُ الجِرْمِ، قَتَلَ كثيرًا من الإبل والناس، وحَمَلَ وادي نخلة علينا، وكنَّا فيمن بَكَّرَ فعَبَرَ، فمن صادفه السَّيْلُ فيه حَمَلَهُ إلى البحر فلم يُرَ أبدًا، وعُدْنَا نَفَرًا قليلًا، وحَدَثَ في الجِمَالِ طاعونٌ، ترَى الجَمَلَ يُبتاع بخمسين دينارًا، فتأخذه (١) الغُدَّةُ فيصيحُ ويرمي بنفسه إلى الأرض، فيُنْحَرُ (٢) ويقتسمه الناس، ويرمون رحالهم في البيداء ويَتَعَرَّوْنَ (٣) من ثيابهم، ومَضَتْ جِمَالُنا هكذا، في حَدِيثٍ طويل بيَّناه في كتاب "ترتيب الرحلة"، ودعت الضرورة إلى أن أمشي رَاجِلًا من فَيْدَ إلى الكوفة خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً لموت الجمال، ومعنا الكِراء لو وجدنا الجمال، لكن الطاعون استولى عليها (٤)، ورَمَيْنَا جميع ما كان معنا، ولم يَبْقَ عَلَيَّ إلَّا لِبَاسِي، وكنتُ أمشي مع أصحابنا من الطلبة نتذاكر ونتناظر (٥) ونَتَسَلَّى على (٦) الرَّجْلَةِ النَّهَارَ كلَّه، حتى إذا جاء الليل وَقَعْتُ على اسم المَيِّتِ، وأوقدنا النار، وقَطَعْنَا لحم أرجلنا، وكَوَيْنَاهَا بالشحم، وربطناها بالخِرَقِ، وكنت أضطجعُ وأقول: هذا مرقدي الذي يبعثني الله ﷿ منه وأنام، فإذا أصبحتُ وجدت خِفَّةً، وكأنِّي لم أكن رَجُلَ البارحة، فإذا أخذت في المشي عادتْ قُوَّتِي، وتَصَلَّبَ لَحْمِي (٧) الأحمر عند مِشْيَتِي، وكانت هذه عادتي في نهاري وليلتي (٨)، وأنا أتعجَّب


(١) في (ص) و (د): لم تأخذه.
(٢) في (د): فيخرُّ.
(٣) في (س): يتبرؤون، وفي (ز): يتبرون، وفي (ص): ينبزون.
(٤) في (د): استولى على الجمال.
(٥) في (س) و (ف): نتناظر ونتذاكر.
(٦) في (د): عن.
(٧) في (ص) و (د): اللحم.
(٨) في (ص) و (د): ليلي.