للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلِمُوا أن هذا في نفسه ليس بمقصود، ولو كان ذلك ما كان إلَّا باطلًا لا فائدة فيه، وتحقَّقوا أن خالقها ومُدَبِّرهَا أوجدها لما وراءها.

وقد كان بعضُ فصحاء المتفكرين من أهل الفترة يقول: "ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وسحاب تُسَخَّر، وأرض تُمطر، وموجود ومعدوم، وماض وآت، وأحياء وأموات، إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعِبَرًا"، وهذا ممَّا تَلَقَّفَهُ فلفقَه، وسَمِعَه (١) فوعاه وعَقَلَهُ، ونظر فيه فاستبصره، وعلى هذا نبَّه بقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥]، فبَادِرُوا بالإيمان (٢) به قبل الفوت، وسرعةُ الأجل تُكَدِّرُ لذة الأمل (٣).

وأمَّا الفِكْرَةُ في نزول الغيث وما يترتَّب عليه من النبات؛ فقد أَحْكَمَ الله بيانَه في كل موضع وَرَدَ من كتابه، وأوضح به أن ذلك بقدرة الباري وإرادته، لا بطبْع، حسبما بيَّناه في "كتب الأصول"، وأمليناه عليكم في هذه الأيام (٤) في كتاب "العواصم" (٥).

والفِكْرَةُ في النَّحْلِ أبدعُ آية؛ في إحكام بناء بيوتها، ولذاذة قيئها، وما تقذفه من بطونها نوعًا بعد أن قطعته (٦) أنواعًا، وأخذته طعامًا فأعطته شرابًا.


(١) قوله: "فلفقه، وسمعه" سقط من (س).
(٢) في (د): الإيمان.
(٣) في (ص): فبادروا به قبل سرعة الأجل وتكدر الأمل، وفي (د): يكدر.
(٤) عام ٥٣٦ هـ، ينظر: العواصم: (ص ٣١٤).
(٥) العواصم: (ص ١٢٧ - ١٣١).
(٦) في (ص): تطعمه.