للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك لم يكن الغَنِيُّ بالحقيقة ولا (١) على الإطلاق إلا الله وحده (٢)؛ فإنه موصوف بالقدرة الواجبة له، مُنَزَّهٌ عن الحاجة، والعبد موصوف بالعجز، ملازم (٣) بالحاجة، فهو فقير أصلًا ووصفًا وحالًا، وإنما يكون غنيًّا بالاكتساب، فالمخلوق مفتقر إلى خالقه في إيجاده، مفتقر إليه في إنعامه، فإنْ عَدِمَ المال كان فقيرًا إليه، وإن وجده كان غنيًّا به، فإنَّ من افتقر إلى شيء كان غنيًّا بوجوده، فالفقير بالحقيقة العبد، وإنما يكون غنيًّا إذا عوَّل على مولاه، ولم ينظر إلى أحد سواه؛ فإن تعلَّق بالُه بشيء من الدنيا ورأى في نفسه أنه فقير إليه فهو عَبْدُه، وإنما شَرَفُ العبد افتقارُه إلى مولاه، وعِزُّه خضوعه له، وما أحسن ما قال بعضهم فيه:

وإذا تَذَلَّلتِ الرقابُ تقربًا … منَّا إليك فعِزُّها في ذُلِّهَا (٤)

فالغَنِيُّ المتعلق البال بالمال، الحريص عليه الراغب فيه، هو الفقير حقيقة، وعادمُه الذي يقول: ما أنا به، ولا رغبة لي (٥) فيه، إنما هي ضرورة العيش، فإذا وجدتها فغيرُها زيادة تشغل عن الإرادة، هو (٦) الغنيُّ حقيقة، وليس كل قلب يصفو هذا الصفاء.


(١) سقطت من (د).
(٢) في (ص): لم يكن الغِنى على الحقيقة إلا لله وحده.
(٣) ضبَّب عليها في (د)، وكأنه أراد أن يُمَرِّضَ حتى التي قبلها، فتكون العبارة: موصوف بالحاجة، فهو فقير، والله أعلم.
(٤) البيت من الكامل، وهو لأبي إسحاق الصابئ، من قصيده له يمدح عَضُدَ الدولة، في التذكرة الحمدونية: (٤/ ١٨٢)، والمنتحل للثعالبي: (ص ٣٥)، واليتيمة له: (٢/ ٢٧٤)، وأنشده أبو القاسم القُشَيري في اللطائف: (٣/ ١٩٩).
(٥) في (د): ولا بي رغبة، وفي (ص): ولا حاجة لي.
(٦) في (د) و (ص): فهو.