للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام الحافظ (١): وكأنه رأى هذا مُعَارِضًا للصبر، وهي درجة عظيمة؛ لأنه لا يمكن تَرْكُ الأنين لكل قلب، وقد قال النبي: "وارأساه" (٢)، والكلام أقوى من الأنين، فالله أعلم (٣).

وحديثُ "الصبر نصف الإيمان" (٤) ضعيف جدًّا، فلا تشغلوا به بالًا، بل الإيمان هو الصبر كله؛ لأن الشريعة على قسمين: مأمور، ومزجور، ولا يطاقُ الامتثال ولا الانكفاف إلا بالصبر، فإن حقيقته (٥): فِعْلُ ما تكرهه النفس من اعتقاد أو عمل، بدلًا ممَّا تؤثره وتهواه (٦).

والنَّفْسُ مائلة إلى الراحة، حريصة على ارتكاب الشهوة، وأوامرُ الشرع ونواهيه مخالفة لهواها، فلم يَصِلْ عبد إلى ذلك إلَّا بالصبر، والشَّهَوَاتُ والرَّاحَاتُ تكثرُ؛ فإذا كسر شهوته صبر، وإذا آثَرَ التعب على راحته صبر، وإذا كانت الشهوة في الفَرْجِ فقضاها كما أَذِنَ له الشرع أُجِرَ، وإن تعلَّقت بما لم يأذن فيه الشرع فتركها كان على جُزْء من الصبر، يقال له:


(١) في (ب): قال الإمام ، وفي (ك): قال أبي .
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) قوله: "في الصحيح - واللفظ للموطأ -: من يستعفف .. والله أعلم" سقط من (ص).
(٤) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن مسعود : (١٥/ ٣٠٣)، والقُضاعي في مسنده: (١/ ١٢٦)، قال أبو علي النيسابوري: "هذا حديث منكر"، لسان الميزان: (٧/ ١١٣).
(٥) في لطائف الإشارات (٣/ ٢٧٢): "الصبر حَبْسُ النفس على ما تكرهه"، وينظر: قوت القلوب: (٢/ ٥٤٣).
(٦) في (ك) و (ص) و (ب): يؤثره ويهواه.