للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصِدْقِ الوعد ووُجُوبِه من الله لهم، ولم يأت أحدٌ بشيء، وقد بيَّنَّاه في "كتاب المُشْكِلَيْنِ".

أحسنُه وأحقُّه قَوْلُ الأستاذ الإسفرايني (١)، إِذْ قيل له: "ممَّا (٢) كان يخاف النبي وقد أَمِنَ العذاب؟ قال: من العتاب، وهو أَشَدُّ على الأحباب".

ويظهر هذا من حديث الشفاغة (٣)؛ فإنَّ الأنبياء إنُّما ذكروا الحياءَ من أمور أَتَوْهَا لا تُوجب عقابًا، فالله أعلم، لعلهم خافوا عليها عتابًا.

وقد رُويت عن النبي وسائر الأنبياء أحاديثُ في خوفهم من الله لا يَحِلُّ لمسلم أن ينظر فيها، مَلأَ المتزهِّدون منها كُتُبَهم لجهلهم بالطرائق (٤).

وقد رُوي عن عائشة أنها قالت: "كان النبيُّ إذا رأى مَخِيلَةً في السماء أقبل وأدبر، فإذا مطرتْ سُرِّيَ عنه، قالت: فقلتُ له، فقال: وما أدري؟ لعله كما قال: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٣] " (٥)، وهو حديث حسن في الباب، صحيح من اللُّباب، يفتح في المعرفة سبيلًا قد بيَّنَّاها في موضعها.

فإن قيل: فالعشرةُ من الصحابة ومن شهد له النبيُّ بالجنة من سواهم ممَّ كانوا يخافون؟ وعلى مَ كانوا يبكون؟ ويخرج من كلامهم أنهم كانوا بما هم عليه فَزِعِينَ.


(١) في (ك) و (ب): الإسفراني.
(٢) في (ك) و (ب): ممَّ.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) ينظر: قوت القلوب: (٢/ ٦٥٩)، والإحياء: (ص ١٥٣١).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾، رقم: (٣٢٠٥ - طوق).