للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَا إنَّ العبد إذا واقع الذنب غَفْلَة بشهوة ثم تذكر بعد ذلك العقوبة فقال: رب اغفر لي؛ نادمًا، قال الله: "عَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، أُشهِدُكُمْ أني قد غَفَرْتُ له" (١).

وقد قال الله: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٠]، ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾ [يوسف: ٨٧]، وهو ضِدُّ الرجاء، فنهى عنه ليكتسب الرجاء بدلًا منه، والمعنى: لا تُبعِد ذلك ولا تَيأس منه إذا طَلَبْتَه بأسبابه.

وقد روى المُفَسِّرُونَ: "أن الآية نزلت في قَوْمٍ من أهل مكة أرادوا الإسلام ففَزِعُوا ممَّا أَتَوا من الذنوب، من قَتْلٍ وزِنًا، فنزلت الآية، وأَرْسَلَ بها إليهم" (٢).

والذي صحَّ من ظاهر الآية أن الله قال: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾، فأضافهم إليه، فإن كان ما قال المفسرون صحيحًا فإضافتهم إليه بسبب ما اعتقدوا من الإسلام وأنابوا إليه، لكنهم خافوا ألَّا يُقبَل منهم، وإن لم يكن ذلك صحيحًا فالآيةُ فِينَا، فإنَّا أسرفنا على أنفسنا، واكتسبنا ذنوبنا، واقترفنا خَطَايَا (٣)، ونسينا وأخطأنا، فلمَّا جزعنا من الرد وخِفْنَا، قيل لنا: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ وأنيبوا إليه، أي: ارجعوا إليه بالكُلِّيَّةِ، فقد كنتم معه بالحسنة، وبِنْتُمْ عنه بالسيئة،. فارجعوا إليه بالكلية، وأَتْبِعُوا ما أَتَيْتُمْ بالندم.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة : كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾، رقم: (٧٥٠٧ - طوق).
(٢) تفسير الطبري: (٢٠/ ٢٢٦ - التركي).
(٣) في (ك) و (ب) و (ع): خطايانا.